الفصل الثاني
فتحت باب حجرتها بحركة عصبية تخلع عنها تلك العباءة التي فرضت عليها ملقية بها على الأرض، وداعسة عليها بقدميها وكأنها تسحق من كان السبب في ارتداؤها بالأكراه، تخصرت بيديها ، جسدها كله يهتز بعنف لاعنة ذلك الوغد الذي قهرها هامسة لنفسها:
-كان ناقصني سي مالك ده كمان ..طلع لي منين ده بس ياربي.
ثم عضت على ابهامها بكل غيظ الدنيا ثم تابعت همسها المفعم بالضيق:
-أنا يتحكم فيا جلف زي ده..ويلبسني العباية بتاعة الأشباح دي طيب ياجلف انت إن ماوريتك.
وعندما شعرت بسخونة جسدها واضطرابه بفعل غيظها أخذت نفسا عميقا، وأخرجته على مهل وراحت تهدئ نفسها تتمتم وهي مغمضة العينين:
-اهدي..اهدي يا نانا..مش مستهلة تتنرفزي بسبب واحد زي ده.. اهو تلاقيه غار على بلده وتستريحي منه بقى..هووووووف.
أبدلت ثيابها بثياب منزلية مريحة، تلك الملابس التي تعودت ارتدائها تكشف ذراعيها وساقيها تتجول بأريحتها في منزلها، بعد أن ألقت نظرة أخيرة على صورتها في المرآه فتحت باب حجرتها وهمت بالخروج فاصطدمت بوالدتها، تلك الأخيرة التي عندما رأتها دفعتها الى داخل حجرتها برفق وهي تقول لها بذهول:
-رايحة فين بلبسك ده ابن عمك لسه تحت ميصحش تنزلي قدامه باللبس ده.
جحظت عينيها بفزع وهي تهمس وقد لوت شفتيها باشمئزاز :
- ننننعم ابن عمي مين ده اللي تحت هو مغارش لسة من هنا.. دانا قلت مشي من بدري وريحنا من سحنته النكد دي.
-يا بنتي عيب ال بتقوليه ده ..ده مهما كان ابن عمك بردو.
ثم تحمحمت والدتها وترددت الكلمات في حلقها فقد خشيت ردة فعل ابنتها، ويبدو أن نريمان لاحظت تردد والدتها فقالت لها بتساؤل مريب:
-في ايه ياماما مالك مترددة ليه كأنك عايزة تقولي حاجة وخايفة.
عدلت والدتها من حجابها بحركة مرتبكة قبل أن تقول بتردد:
-أصل ..أصل ابن عمك يعني حيقعد معانا عالطول.
انتفضت بغضب قائلة بصدمة:- إييه؟ يعني ايه يقعد معانا عالطول ازاي يعني مش فاهمة؟؛
قالتها نريمان وهي ترمش بأهدابها في عدم تصديق.
جذبتها والدتها من ذراعها وأجلستها عنوة على فراشها علها تحد من غضبها.
-اقعدي يا نريمان واهدي كده وسيبك من عصبيتك دي..اخذت نفسا عميقا تستعين به و الصبر على ابنتها ثم تابعت:
-ابن عمك يابنتي في محنة ضاع منه كل شئ، بيته وفلوسه وأرضه، أبوكي طبعا مكنش ينفع يسيبه ولا يتخلى عنه، عشان كده عرض عليه انه يجي يعيش معانا ..وكمان عشان يساعده في شغله.. أبوكي كبر يانانا ولازم حد يشيل عنه الحمل فاهمة.
هتفت نانا بعد ان نزعت يديها من تحت يدى أمها اللتان كانتا مستقرتان تحتهما بحركة قوية غاضبة:
-وأنا مالي ومال الفيلم الهندي ده ياماما، بابا يساعده ولا يطبطب عليه.. أنا مالي..ذنبي أيه أتحمل غلاسته ليه... ويكتم على نفسي ليه… ليل ونهار أنا مش طيقاه ..مش طيقااااه.
قالت كلاماتها الأخيرة بصوت عالي مفعم بكل كرهها له وكأنه عدوها اللدود..ثم نهضت بغضب وقالت باصرار وعزم وتصميم :
-أقولك .. أنا حنزل أقوله كده بنفسي ..هقوله اني مش طايقة سحنته العكرة دي..وأتطرده كمان من بيتنا عالله يحس على دمه ويغور من هنا…. قال يقعد عندنا قال.
ولكن قبل أن تخطو خطوة واحدة جذبتها والدتها من ذراعها وأغلقت باب الحجرة فنهرتها بشدة قائلة بغضب:-
-تعالي هنا رايحة فين..أنت اتجننتي؛ يظهر أننا دلعناكي زيادة عن اللزوم..خلاص مفيش حد قادر يوقفك عند حدك يعني..وصلت بيكِ الوقاحة إنك تحرجي أبوكي قدام ابن عمك وتصغريه..اخص عليكي، ابوكي مديكي كل الحرية عشان بيحبك وخايف عليكي تقومي تعملي فيه كده، أنا عارفة انك مستهترة وعنادية، لكن مكنتش أعرف انك بالأخلاق دي معقولة انت ناريمان خالد محجوب.. الراجل الصعيدي الشهم اللي كل الناس تحلف بأخلاقه العالية تعملي فيه كده؟
كلمات أمها أوجعتها جعلت الخجل يصفع كبرياؤها، ومع ذلك أخفت حرجها من نفسها ومن والدتها خلف عنادها، فصرخت في امها حتى تكف عن جلدها بتلك الكلمات الصادمة:
-يووووه ..ما خلاص بقى يا ماما..ويلا بقى لو سامحتي اخرجي بره اوضتي وسبيني لوحدي.
لم تصدق أمها ما تفعله وأن يصل بها الأستهتار لهذا الحد..ظلت تتأملها طويلا بأسف قبل أن تتركها وتصفع الباب خلفها بغضب.
أما هي فظلت تزفر بغيظ وغل تفكر كيف
(تعكنن) على ذلك الجلف..فهمست لنفسها:
-ماشي وربنا لخليك تندم على اليوم اللي جيت فيه البيت ياجلف أنت.
فضربت فخذها ضربة ويل ووعيد له.. ثم فجأة لمعت عينيها وابتسمت ابتسامة خبيثة تنم على انها تنوي على فعل شئ في ابن عمها ترى ماذا ستفعل تلك الشقية.
***************
كان شارد الذهن يستند بذقنه على كفه يفكر في حاله، كيف صار؟ وكيف ستكون حياته في بيت عمه؟ وكيف سيكون المستقبل مع تلك العائلة التي احتضنته؟ وذلك الماضي الذي يؤرقه ويطارده ككابوساً يكاد يزهق روحه؟ زفيرا حارا خرج من صدره كرياح حارة هبت جراء عواصف غاضبة، اخرجه من شروده صوت طرقات على حجرته، فقام وفتح واذ به عمه يدخل وهو يبتسم له مردفا:
-ايه يا ولدي مدليتش ليه مرات عمك جهزت الوكل وتلاجيه برد.
قال وصوته يشوبه الحزن:
-مليش نفس ياعمي صدجني أنا شبعان.
فصاح عمه به بضيق:
شبعان كييف ياولدي، انت من الصبح محطتش حاجة في خاشمك واصل.
ثم ارتفع صوت خالد بحمية الصعايدة:
-طب عليا الحرام من بيتي ان مدليتش تاكل معانا لا.....
فقاطعه مالك وهو يرفع يديه أمام فم عمه حتى لا يكمل يمينه:
-لاه..لاه.خلاص ياعمي متحلفش أنا حدله وياك وأتعشى من غير ما تزعل نفسيك.
فقال عمه وهو يسير بجانبه:
-يلا يا ولدي مش عايزك تحس أنك غريب إهينه..أنت في بيت عمك يعني بيتك ياولد أخوي.
كلمات عمه ومدى سعادته في وجوده بجواره خفف عنه كثيرا، حتى زوجة عمه سيدة محترمة وودودة ترحب به كثيرا، ما يؤرقه هو ابنة عمه تلك الفتاة المدللة المستهترة التي تعيش بدون رابط ولا حاكم ..نظر لعمه نظرة جانبية كأنه يلومه على ضعفه أمامها وعلى تفريطه في تدليلها، ولكنه قرر بينه وبين نفسه أن هذا شئ لا يخصه ولا يعنيه في شىء وانه سيتحاشاها تماما وسيتجاهلها.. سيركز فقط في مستقبله وفي عمله مع عمه.
على طاولة الطعام استقبلته زوجة عمه بإبتسامة ترحيب هامسه:
-اهلا بيك يابني..انت لسة حاسس انك غريب؟ ده بيت عمك يعني بيتك بالظبط.
-لساتني جايله إكده يا ام ناريمان.
هتف خالد بذلك وهو يربت على ظهر ابن اخيه في ود.
فقال مالك بنبرة مفعمة بالحياء من فرط الترحاب الذي يغدقانه عمه وزوجته عليه:
-تسلمي يامراة عمي ربنا يبارك في عمرك..ويخليك ليا يا عمي وميحرمنيش منيك.
لحظات ود صادقة..قطعتها ناريمان بهلتها المتعجرفه، وحركاتها المطعمة بالغنج المتعمد ،وابتساماتها التي تزهو بالخبث على شفتيها ..جلست على مقعدها وهي تهمس بصوت متعالي:
-هاي.
ماتت الضحكة على وجوه الثلاثة، وشحبت سحنتهم وهذا ليس بسبب غنجها المبالغ فيه ولا غرورها، لكن بفضل ملابسها الفاضحة وتبرجها الزائد عن الحد، فكانت ترتدي ما يسمى( بالشورط الجينز قصير عند ركبتيها ..وقميصا أبيض بكرنيش يلتف حول كتفيها وخلف ظهرها يتدلي منه دانتيلا أبيض، وقد اطلقت شعرها للعنان متمردا على وجهها بتموجاته المبعثرة.
منظرها ألجم الجميع جعلا والديها يغرقان في حرجا وخجلا من فعلتها، أما مالك فقد استاء كثيرا من صورتها تلك حتى أنه شعر بالغثيان، طأطأ رأسه حتى يتحاشى النظر لها، تبرجها وملابسها وحركاتها..جعلت اعصابه تثور وقلبه ناقما عليها كل شئ فيه يحفزه على أن يقوم ويهم ليصفعها بل لديه رغبة في أن يكسر عظامها تكسيرا حتى تتأدب…. على الأقل في وجوده.
اما نريمان فلم تبالي بل نظرت له بجرأة وبنظرات متشفية أنها تعلم أنها نجحت في استفزازه، وبالكاد اخفت ابتسامة وهي تراه وقد طأطأ رأسه وعيناه مثبتتان في طبقه حتى همست وهي تضحك في داخلها:
-أحسن خليك متذنب كده زي التلميذ الفاشل.
ابتلع خالد حرجه وربت على ظهر أبن أخيه وهو يهمس له حتى يلهيه عن فعلة أبنته:
كُل…. يا ولدي.... كُل.
تناول مالك ملعقته وبدأ يشرع في الطعام عله ينتهي من هذا الموقف العصيب، وما ان ابتلعه حتى نهض بحركة مفاجأة كادت أن تقلب الطاولة بما عليها من طعام.. وظل يسعل بشدة حتى احمرت عيناه وأدمعت، وانتفخ وجهه يحاول أن يجلب الهواء داخل فمه براحتيه.
-مالك ياولدي حوصلك ايه..الوكل ماله فيه إييه؟
تفوه بها خالد بنبرة تقطر انزعاجا وهو مندهش لما طرأ لابن أخيه وقد ظل يضرب على ظهره بخفة حتى يلفظ الطعام مرة أخرى عله يستريح.
هتف مالك بصوت بح من فرط النار التي شعر بها قد شبت في فمه وحلقه:
-يا ابوي..يا ابوي..الوكل حراج جوي.. جوي..كله شطة. ايه ديه..يا ابوي.
حتى وداد همست وهي تتناول كوب ماء لتعطيه له :
-اسم الله عليك يابني خد اشرب الميه.
أما نريمان لم تستطيع كتم ضحكاتها وهي ترى ذلك الجلف كاد يموت ويختنق جراء الشطة التي وضعتها خلسة في طبقه عندما ذهبت للمطبخ و سألت الخادمة علي طبقه وعندما أشارت عليه..فطلبت منها أن تجلب لها شئ ما وبسرعة وقبل أن تراها وضعت الشطة الكثيرة على الأرز وخرجت كأنها لم تفعل شيئاً.
فنظروا الثلاثة لها نظرات نارية عيونهم تلومها أشد اللوم على فعلتها.
أجبرت وداد ابنتها على النهوض ودفعتها أمامها بعيدا عن حجرة السفرة بغيظ توبخها وتعنفها بشدة:
-ايه ال بتعمليه ده ..انت اتجننتي ايه شغل العيال بتاعك ده .
فاردفت نريمان بكل برود والضحك مازال عالق في فمها:
-ايه ياماما هو أنا عملت ايه الله.
هزتها من ذراعها بغضب ولامتها قائلة:
-عملك أسود ومنيل..كل ده وعملتي ايه؟ انتي مش حتسكتي غير لما تجلطي أبوكي.
لم تبالي نريمان بغضب امها ولا تعنيفها لها، انما وقفت أمامها وحدقت في عيونها بتحدي قائلة:
-بقولك ايه ياماما انتوا فارتضو الجلف ده عليا وانا مش ممكن هستسلم لده..وديني لهطهقه في عشته واخليه يندم على اليوم ال اتولد فيه وان ممشيش بكرامته أنا بقى ال حطرده من هنا صراحة. أنا مش هسمح لحد يقيد حريتي في بيتي ويغير نظام حياتي.
ثم تركتها واتجهت صوب حجرتها بخطوات غير مبالية، تاركة أمها خلفها تستشيط غضبا من أفعالها.
بعد أن هدأت البراكين التي شبت في فم مالك وقد استعان بالعصير المحلى وشرب الماء الكثير..ذهب الى حجرته وكان معه عمه خالد وقد نوى أن يرحل حتى تستريح ابنة عمه وبالفعل بدأ في تجهيز اغراضه ..فسأله عمه باستنكار:
-بتعمل ايه يامالك يا ولدي.
فهمس مالك وهو يلملم حاجياته في حقيبته:
-لازمن أمشي ياعمي من اهنيه..شكلي إكده..وجودي مش جاي على هوى بت عمي.
زفر خالد بضيق..لقد وضع أمل كبيرا على ابن أخيه في أن يعدل ميزان ابنته الذي أختل بفضل تدليله المفرط لها، ولكن مازال يراوده الأمل.. هو على يقين انه لن يصلح حال ابنته غير واحد في شخصية مالك وحزمه.
- مالك ياولد اخويا عايزك تسمعني زين.
تفوه خالد بها وهو يجذبه من ساعده ويجلسه على مقعد في حجرته ..وجلس هو على المقعد المقابل له..ثم حدق فيه وهمس بجدية:
-آني مش حغصب عليك تكعمز ويانا غصبن عنيك..لكن عايز اتحدت وياك في شوية أمور إكده بعدها اعمل ما بدالك، آني وأبوك الله يرحمه بجالنا مدة طويلة متجاطعين عن بعض..والسبب في إكده أمك..الله يسامحها بجى
عشان إ كده أنت مخبرش حياة عمك عاملة كييف، لما اتجوزت انا ومراة عمك فضلنا خمس سنين منخلفش..وصبرنا على جدر ربنا، لحد ما ربنا اراد ان مراة عمك تحبل لكنها سقطت بعد الشهر التالت، وبرديك صبرنا وجلنا الحمد لله. تلات مرات ..ومراة عمك تحبل وتسجط..تحبل وتسجط، لما خلاص تعبنا وفاض بينا، فجلنا خلاص يظهر ان رابنا اكده مش رايد لينا بالخلفة فطلعنا الموضوع ده من راسنا.. وكمان خفت على مراة عمك من كتر السجوط عشان عفش عليها ممكن ياخد أجلها..الحكمة جالت اكده، لكن ربنا كرمه كبير جوووي جوي..رحيم على عباده رزقنا بناريمان بعد عذاب وخوف يجطعوا المصارين، لكنها يا جلب ابوها اتولدت بعيب خلقي في القلب أيوتها حركة عفشة عليها أيتها انفعال يجيب أجلها عالطول ..عشان إكده مكناش بنجولها لاه واصل.. فدلعناها جوي، من كتر خوفنا عليها، وعشان هي وحيدتنا، وجات بعد عذاب مكناش نجدر نرفضلها طلب، لكن بعد ما نشف عودها شوي، سوينا ليها عملية، والحمد لله بجت زينه دلوك وطبيعية كيفها كيف البنته ال زيها..لكن بعد أيه، بعد ما خلاص عجينتها اتسوت على العند والغرور، وراسها بجت انشف من الحجر..واديك ناضر كيف عمك كبر وبجى عضمة كبيرة والمرض هده..وهي بت يعني شوكة في ضهري، وعاري..لو كانت ولد مكنتش عونت همه اهو مهما كان برديك رادل ميتخافش عليه..انما بت عمك أسوي كيف معاها. وانت يامالك ولد عمها يعني دمك ولحمك وعرضك برضك.. أكيد حتساعدني وتحافظ عليها..جلت ايه يا ولد اخوي؟
لقد وصلت رسالة عمه إليه..نبرته الأسفة على حال ابنته وهو يحكي، صوته المتوسل اليه ويستجديه، ضعفه البادي في كل حرف وهو يسرد معاناته جعله يفهم أنه يوكل اليه تربية ابنته من جديد، وترويدها، وتقويم شخصيتها الجامحة.. آه ياعماه لقد أوليتني مسئولية جسيمة، كيف تريدني أن أتعامل مع واحدة من بنات حواء، كيف أتعامل مع جنسهن وأنا أبغضهن جميعا وأبغض حتى النظر لهن..لوكنت طلبت مني أن أتعامل مع عدوي لكان اهون من التعامل مع ذلك الجنس المخادع..لا..لا انها مهمه ثقيلة ..وأنا في غنى عن تلك المتاعب.
عندما طال شرود مالك وهو ينظر للأرض نهض عمه وقد شعر بعدم قبوله لتلك المهمة فربت على كتفه وأردف قبل أن يخرج:
-على راحتك ياولد اخوي أنا مش حغصب.. عليك تصبح على خير.
فتحت نريمان باب حجرتها بهدوء وحذر تتفقد ما حولها، فوجدت أبيها قد خرج من حجرة ابن عمها..فانتظرت حتى اختفى ثم مشيت على أطراف أصابعها وأمام حجرته عدلت من ( بلوزتها) ورفعت رأسها بكبرياء وفتحت باب حجرته دون حتى أن تستأذن، مما جعل مالك يحدق فيها غير مصدق وقاحتها تلك بل جرأتها..كيف لها أن تدخل عليه دون استئذان..ولم تعمل حساب أن يكون في وضع قد تخجل أن تراه فيه..ولكن كيف لتلك أن تعرف الخجل أن الحياء نزع من وجهها.
وجدته يجهز حقيبته فابتسمت بتشفي وعلمت أنه اخيرا سيرحل ذلك الجلف عنها، فقالت وهي تقبل عليه وقد وضعت يديها في خصرها تخطو في تؤدة وقد همست بكلمات تقطر وقاحة:
- الله ..أنت حترحل من هنا أخيرا..كويس.. آه متبقاش تيجي عندنا تاني.. تصدق أنا كان نفسي اجيب قلة واكسرها وراك..مش في بلدكم اسمها قلة بردو… اووول لا لاهه.
ثم ضحكت ضحكة أودعت فيها كل عجرفتها وعدم ذوقها..بعدها همت أن تخرج وقد أولته ظهرها تودعه بأصابع يدها في حركة متعالية هامسة في غنج مستفز:
-باااااااي.
كانت كلماتها تحفز اشمئزازه منها أكثر واكثر وتعلي بغضبه لها بل للنساء عموما اكثر وأكثر، ويتساءل بخيبة كيف انفلت عيار اخلاقك يا ابنة عمي الى هذه الدرجة، الله يسامحك ياعمي، خوفك الهيستري وتفريطك في تدليل ابنتك جعلوك تنتج للعالم مخلوقة متعجرفة غبية.. هل
ينقص عالم النساء المنحط مثل تلك المغرورة؟
ولكن هل سيتركها تطيح في العالم هكذا اقسم بالذي رفع السموات وسواكن من ضلع أعوج لأعيدن تربيتك يا ابنة عمي من جديد..وبعد أن ألقت في وجهه عفن غرورها وقبل أن تخرج لحق بها سريعا وجذبها من ذراعها بقسوة ثم أغلق الباب، ودفعها نحوه وألصق ظهرها به بدفعة مؤلمة حتى أنها أصدرت أهة ألم ولكنها لم تستطيع النطق، حدقت فيه بدهشة..أين غرورها وعجرفتها الآن لقد ذابا تحت قبضة يديه اللاتي جعلت يديها في مستواى كتفيها وكلما تأوهت ضغط بيديه عليهما حتى تتألم أكثر وأكثر..لأول مرة في حياتها تعرف الخوف، وتشعر بأن جسدها كله يرتعش.. انه يقترب بوجهه من جهها حتى لم يفصلهما غير أنفاسه الحارة وفحيحها المخيف، نظرات عينيه تجلدها دون رحمة ..نظرات شرسة مخيفة..ترسل له اشارات انذار، ويل، ووعيد ظل يتأملها بحقد وكره لا مثيل لهما يقلب شفتيه باشمئزاز كأنها شئ حقير أمامه..حتى اخيرا همس قرب اذنها:
-عايزة اجولك يابت عمي أن القلة اللي زمان كنا بنشرب منها ..دلوكيت ملهاش عازة عشان اخترعولنا تلاجات تشبه لحضرتك اكده.
اردادت أن تعترض على تشبيهه ولكنه أسكتها حينما تابع وهو يحدق في عينيها حتى جعلها تتراجع برأسها:
-هششش..اكتمي خاشمك..تعرفي دلوك احنا بنعملوا بالقلة دي إييه في بلدنا..بنكسرو بيها راس الحريم العوجة اللي زييك..عشان نعدلوها بيها..في حاجة كمان عندينا أسمها( جلة) متعرفيهاش طبعا وحدة جاهلة زيك حتعرفها منين..دي لامؤاخذة ( فضلات البهايم) دية ناخدها اكده ونلطعها على الحيط ولم تنشف نحطها جوه خشم الحريم اللي لسانها متبري منيها زييك اكده.. في حاجة تاني عندينا اسمها ( خرزانة) دي بنشتروها مخصوص عشان نأدبواا بيها الحريم ال معندهاش خشى ولا حيا..الحريم ال طايحة في الناس وكاشفة جتتها ليهم زي بنات ال..... لكنه صمت فقد فهمت اللفظ الذي كاد أن يتفوه به.
لم يبالي بغضبها الذي كسى ملامحها ولا شفتيها التي تزوووم باعتراض ولا حركاتها التي تريد بها الخلاص منه، بل زاد من الزج بها في ظهر الباب فكانت تتألم .
وتتألم أكثر من نظرات البغض التي يحرقها بها، أخيرا اطلق سراحها ولم يعطها فرصة للتفوه بأي كلمة بل جذبها من شعرها وفتح الباب وهو يقول لها بقرف:
-يلا غوري بجى من اهنه.."كسحة تاخد الحريم كلتها"
رواية كاره النساء
الفصل الثاني
فتحت باب حجرتها بحركة عصبية تخلع عنها تلك العباءة التي فرضت عليها ملقية بها على الأرض، وداعسة عليها بقدميها وكأنها تسحق من كان السبب في ارتداؤها بالأكراه، تخصرت بيديها ، جسدها كله يهتز بعنف لاعنة ذلك الوغد الذي قهرها هامسة لنفسها:
-كان ناقصني سي مالك ده كمان ..طلع لي منين ده بس ياربي.
ثم عضت على ابهامها بكل غيظ الدنيا ثم تابعت همسها المفعم بالضيق:
-أنا يتحكم فيا جلف زي ده..ويلبسني العباية بتاعة الأشباح دي طيب ياجلف انت إن ماوريتك.
وعندما شعرت بسخونة جسدها واضطرابه بفعل غيظها أخذت نفسا عميقا، وأخرجته على مهل وراحت تهدئ نفسها تتمتم وهي مغمضة العينين:
-اهدي..اهدي يا نانا..مش مستهلة تتنرفزي بسبب واحد زي ده.. اهو تلاقيه غار على بلده وتستريحي منه بقى..هووووووف.
أبدلت ثيابها بثياب منزلية مريحة، تلك الملابس التي تعودت ارتدائها تكشف ذراعيها وساقيها تتجول بأريحتها في منزلها، بعد أن ألقت نظرة أخيرة على صورتها في المرآه فتحت باب حجرتها وهمت بالخروج فاصطدمت بوالدتها، تلك الأخيرة التي عندما رأتها دفعتها الى داخل حجرتها برفق وهي تقول لها بذهول:
-رايحة فين بلبسك ده ابن عمك لسه تحت ميصحش تنزلي قدامه باللبس ده.
جحظت عينيها بفزع وهي تهمس وقد لوت شفتيها باشمئزاز :
- ننننعم ابن عمي مين ده اللي تحت هو مغارش لسة من هنا.. دانا قلت مشي من بدري وريحنا من سحنته النكد دي.
-يا بنتي عيب ال بتقوليه ده ..ده مهما كان ابن عمك بردو.
ثم تحمحمت والدتها وترددت الكلمات في حلقها فقد خشيت ردة فعل ابنتها، ويبدو أن نريمان لاحظت تردد والدتها فقالت لها بتساؤل مريب:
-في ايه ياماما مالك مترددة ليه كأنك عايزة تقولي حاجة وخايفة.
عدلت والدتها من حجابها بحركة مرتبكة قبل أن تقول بتردد:
-أصل ..أصل ابن عمك يعني حيقعد معانا عالطول.
انتفضت بغضب قائلة بصدمة:- إييه؟ يعني ايه يقعد معانا عالطول ازاي يعني مش فاهمة؟؛
قالتها نريمان وهي ترمش بأهدابها في عدم تصديق.
جذبتها والدتها من ذراعها وأجلستها عنوة على فراشها علها تحد من غضبها.
-اقعدي يا نريمان واهدي كده وسيبك من عصبيتك دي..اخذت نفسا عميقا تستعين به و الصبر على ابنتها ثم تابعت:
-ابن عمك يابنتي في محنة ضاع منه كل شئ، بيته وفلوسه وأرضه، أبوكي طبعا مكنش ينفع يسيبه ولا يتخلى عنه، عشان كده عرض عليه انه يجي يعيش معانا ..وكمان عشان يساعده في شغله.. أبوكي كبر يانانا ولازم حد يشيل عنه الحمل فاهمة.
هتفت نانا بعد ان نزعت يديها من تحت يدى أمها اللتان كانتا مستقرتان تحتهما بحركة قوية غاضبة:
-وأنا مالي ومال الفيلم الهندي ده ياماما، بابا يساعده ولا يطبطب عليه.. أنا مالي..ذنبي أيه أتحمل غلاسته ليه... ويكتم على نفسي ليه… ليل ونهار أنا مش طيقاه ..مش طيقااااه.
قالت كلاماتها الأخيرة بصوت عالي مفعم بكل كرهها له وكأنه عدوها اللدود..ثم نهضت بغضب وقالت باصرار وعزم وتصميم :
-أقولك .. أنا حنزل أقوله كده بنفسي ..هقوله اني مش طايقة سحنته العكرة دي..وأتطرده كمان من بيتنا عالله يحس على دمه ويغور من هنا…. قال يقعد عندنا قال.
ولكن قبل أن تخطو خطوة واحدة جذبتها والدتها من ذراعها وأغلقت باب الحجرة فنهرتها بشدة قائلة بغضب:-
-تعالي هنا رايحة فين..أنت اتجننتي؛ يظهر أننا دلعناكي زيادة عن اللزوم..خلاص مفيش حد قادر يوقفك عند حدك يعني..وصلت بيكِ الوقاحة إنك تحرجي أبوكي قدام ابن عمك وتصغريه..اخص عليكي، ابوكي مديكي كل الحرية عشان بيحبك وخايف عليكي تقومي تعملي فيه كده، أنا عارفة انك مستهترة وعنادية، لكن مكنتش أعرف انك بالأخلاق دي معقولة انت ناريمان خالد محجوب.. الراجل الصعيدي الشهم اللي كل الناس تحلف بأخلاقه العالية تعملي فيه كده؟
كلمات أمها أوجعتها جعلت الخجل يصفع كبرياؤها، ومع ذلك أخفت حرجها من نفسها ومن والدتها خلف عنادها، فصرخت في امها حتى تكف عن جلدها بتلك الكلمات الصادمة:
-يووووه ..ما خلاص بقى يا ماما..ويلا بقى لو سامحتي اخرجي بره اوضتي وسبيني لوحدي.
لم تصدق أمها ما تفعله وأن يصل بها الأستهتار لهذا الحد..ظلت تتأملها طويلا بأسف قبل أن تتركها وتصفع الباب خلفها بغضب.
أما هي فظلت تزفر بغيظ وغل تفكر كيف
(تعكنن) على ذلك الجلف..فهمست لنفسها:
-ماشي وربنا لخليك تندم على اليوم اللي جيت فيه البيت ياجلف أنت.
فضربت فخذها ضربة ويل ووعيد له.. ثم فجأة لمعت عينيها وابتسمت ابتسامة خبيثة تنم على انها تنوي على فعل شئ في ابن عمها ترى ماذا ستفعل تلك الشقية.
***************
كان شارد الذهن يستند بذقنه على كفه يفكر في حاله، كيف صار؟ وكيف ستكون حياته في بيت عمه؟ وكيف سيكون المستقبل مع تلك العائلة التي احتضنته؟ وذلك الماضي الذي يؤرقه ويطارده ككابوساً يكاد يزهق روحه؟ زفيرا حارا خرج من صدره كرياح حارة هبت جراء عواصف غاضبة، اخرجه من شروده صوت طرقات على حجرته، فقام وفتح واذ به عمه يدخل وهو يبتسم له مردفا:
-ايه يا ولدي مدليتش ليه مرات عمك جهزت الوكل وتلاجيه برد.
قال وصوته يشوبه الحزن:
-مليش نفس ياعمي صدجني أنا شبعان.
فصاح عمه به بضيق:
شبعان كييف ياولدي، انت من الصبح محطتش حاجة في خاشمك واصل.
ثم ارتفع صوت خالد بحمية الصعايدة:
-طب عليا الحرام من بيتي ان مدليتش تاكل معانا لا.....
فقاطعه مالك وهو يرفع يديه أمام فم عمه حتى لا يكمل يمينه:
-لاه..لاه.خلاص ياعمي متحلفش أنا حدله وياك وأتعشى من غير ما تزعل نفسيك.
فقال عمه وهو يسير بجانبه:
-يلا يا ولدي مش عايزك تحس أنك غريب إهينه..أنت في بيت عمك يعني بيتك ياولد أخوي.
كلمات عمه ومدى سعادته في وجوده بجواره خفف عنه كثيرا، حتى زوجة عمه سيدة محترمة وودودة ترحب به كثيرا، ما يؤرقه هو ابنة عمه تلك الفتاة المدللة المستهترة التي تعيش بدون رابط ولا حاكم ..نظر لعمه نظرة جانبية كأنه يلومه على ضعفه أمامها وعلى تفريطه في تدليلها، ولكنه قرر بينه وبين نفسه أن هذا شئ لا يخصه ولا يعنيه في شىء وانه سيتحاشاها تماما وسيتجاهلها.. سيركز فقط في مستقبله وفي عمله مع عمه.
على طاولة الطعام استقبلته زوجة عمه بإبتسامة ترحيب هامسه:
-اهلا بيك يابني..انت لسة حاسس انك غريب؟ ده بيت عمك يعني بيتك بالظبط.
-لساتني جايله إكده يا ام ناريمان.
هتف خالد بذلك وهو يربت على ظهر ابن اخيه في ود.
فقال مالك بنبرة مفعمة بالحياء من فرط الترحاب الذي يغدقانه عمه وزوجته عليه:
-تسلمي يامراة عمي ربنا يبارك في عمرك..ويخليك ليا يا عمي وميحرمنيش منيك.
لحظات ود صادقة..قطعتها ناريمان بهلتها المتعجرفه، وحركاتها المطعمة بالغنج المتعمد ،وابتساماتها التي تزهو بالخبث على شفتيها ..جلست على مقعدها وهي تهمس بصوت متعالي:
-هاي.
ماتت الضحكة على وجوه الثلاثة، وشحبت سحنتهم وهذا ليس بسبب غنجها المبالغ فيه ولا غرورها، لكن بفضل ملابسها الفاضحة وتبرجها الزائد عن الحد، فكانت ترتدي ما يسمى( بالشورط الجينز قصير عند ركبتيها ..وقميصا أبيض بكرنيش يلتف حول كتفيها وخلف ظهرها يتدلي منه دانتيلا أبيض، وقد اطلقت شعرها للعنان متمردا على وجهها بتموجاته المبعثرة.
منظرها ألجم الجميع جعلا والديها يغرقان في حرجا وخجلا من فعلتها، أما مالك فقد استاء كثيرا من صورتها تلك حتى أنه شعر بالغثيان، طأطأ رأسه حتى يتحاشى النظر لها، تبرجها وملابسها وحركاتها..جعلت اعصابه تثور وقلبه ناقما عليها كل شئ فيه يحفزه على أن يقوم ويهم ليصفعها بل لديه رغبة في أن يكسر عظامها تكسيرا حتى تتأدب…. على الأقل في وجوده.
اما نريمان فلم تبالي بل نظرت له بجرأة وبنظرات متشفية أنها تعلم أنها نجحت في استفزازه، وبالكاد اخفت ابتسامة وهي تراه وقد طأطأ رأسه وعيناه مثبتتان في طبقه حتى همست وهي تضحك في داخلها:
-أحسن خليك متذنب كده زي التلميذ الفاشل.
ابتلع خالد حرجه وربت على ظهر أبن أخيه وهو يهمس له حتى يلهيه عن فعلة أبنته:
كُل…. يا ولدي.... كُل.
تناول مالك ملعقته وبدأ يشرع في الطعام عله ينتهي من هذا الموقف العصيب، وما ان ابتلعه حتى نهض بحركة مفاجأة كادت أن تقلب الطاولة بما عليها من طعام.. وظل يسعل بشدة حتى احمرت عيناه وأدمعت، وانتفخ وجهه يحاول أن يجلب الهواء داخل فمه براحتيه.
-مالك ياولدي حوصلك ايه..الوكل ماله فيه إييه؟
تفوه بها خالد بنبرة تقطر انزعاجا وهو مندهش لما طرأ لابن أخيه وقد ظل يضرب على ظهره بخفة حتى يلفظ الطعام مرة أخرى عله يستريح.
هتف مالك بصوت بح من فرط النار التي شعر بها قد شبت في فمه وحلقه:
-يا ابوي..يا ابوي..الوكل حراج جوي.. جوي..كله شطة. ايه ديه..يا ابوي.
حتى وداد همست وهي تتناول كوب ماء لتعطيه له :
-اسم الله عليك يابني خد اشرب الميه.
أما نريمان لم تستطيع كتم ضحكاتها وهي ترى ذلك الجلف كاد يموت ويختنق جراء الشطة التي وضعتها خلسة في طبقه عندما ذهبت للمطبخ و سألت الخادمة علي طبقه وعندما أشارت عليه..فطلبت منها أن تجلب لها شئ ما وبسرعة وقبل أن تراها وضعت الشطة الكثيرة على الأرز وخرجت كأنها لم تفعل شيئاً.
فنظروا الثلاثة لها نظرات نارية عيونهم تلومها أشد اللوم على فعلتها.
أجبرت وداد ابنتها على النهوض ودفعتها أمامها بعيدا عن حجرة السفرة بغيظ توبخها وتعنفها بشدة:
-ايه ال بتعمليه ده ..انت اتجننتي ايه شغل العيال بتاعك ده .
فاردفت نريمان بكل برود والضحك مازال عالق في فمها:
-ايه ياماما هو أنا عملت ايه الله.
هزتها من ذراعها بغضب ولامتها قائلة:
-عملك أسود ومنيل..كل ده وعملتي ايه؟ انتي مش حتسكتي غير لما تجلطي أبوكي.
لم تبالي نريمان بغضب امها ولا تعنيفها لها، انما وقفت أمامها وحدقت في عيونها بتحدي قائلة:
-بقولك ايه ياماما انتوا فارتضو الجلف ده عليا وانا مش ممكن هستسلم لده..وديني لهطهقه في عشته واخليه يندم على اليوم ال اتولد فيه وان ممشيش بكرامته أنا بقى ال حطرده من هنا صراحة. أنا مش هسمح لحد يقيد حريتي في بيتي ويغير نظام حياتي.
ثم تركتها واتجهت صوب حجرتها بخطوات غير مبالية، تاركة أمها خلفها تستشيط غضبا من أفعالها.
بعد أن هدأت البراكين التي شبت في فم مالك وقد استعان بالعصير المحلى وشرب الماء الكثير..ذهب الى حجرته وكان معه عمه خالد وقد نوى أن يرحل حتى تستريح ابنة عمه وبالفعل بدأ في تجهيز اغراضه ..فسأله عمه باستنكار:
-بتعمل ايه يامالك يا ولدي.
فهمس مالك وهو يلملم حاجياته في حقيبته:
-لازمن أمشي ياعمي من اهنيه..شكلي إكده..وجودي مش جاي على هوى بت عمي.
زفر خالد بضيق..لقد وضع أمل كبيرا على ابن أخيه في أن يعدل ميزان ابنته الذي أختل بفضل تدليله المفرط لها، ولكن مازال يراوده الأمل.. هو على يقين انه لن يصلح حال ابنته غير واحد في شخصية مالك وحزمه.
- مالك ياولد اخويا عايزك تسمعني زين.
تفوه خالد بها وهو يجذبه من ساعده ويجلسه على مقعد في حجرته ..وجلس هو على المقعد المقابل له..ثم حدق فيه وهمس بجدية:
-آني مش حغصب عليك تكعمز ويانا غصبن عنيك..لكن عايز اتحدت وياك في شوية أمور إكده بعدها اعمل ما بدالك، آني وأبوك الله يرحمه بجالنا مدة طويلة متجاطعين عن بعض..والسبب في إكده أمك..الله يسامحها بجى
عشان إ كده أنت مخبرش حياة عمك عاملة كييف، لما اتجوزت انا ومراة عمك فضلنا خمس سنين منخلفش..وصبرنا على جدر ربنا، لحد ما ربنا اراد ان مراة عمك تحبل لكنها سقطت بعد الشهر التالت، وبرديك صبرنا وجلنا الحمد لله. تلات مرات ..ومراة عمك تحبل وتسجط..تحبل وتسجط، لما خلاص تعبنا وفاض بينا، فجلنا خلاص يظهر ان رابنا اكده مش رايد لينا بالخلفة فطلعنا الموضوع ده من راسنا.. وكمان خفت على مراة عمك من كتر السجوط عشان عفش عليها ممكن ياخد أجلها..الحكمة جالت اكده، لكن ربنا كرمه كبير جوووي جوي..رحيم على عباده رزقنا بناريمان بعد عذاب وخوف يجطعوا المصارين، لكنها يا جلب ابوها اتولدت بعيب خلقي في القلب أيوتها حركة عفشة عليها أيتها انفعال يجيب أجلها عالطول ..عشان إكده مكناش بنجولها لاه واصل.. فدلعناها جوي، من كتر خوفنا عليها، وعشان هي وحيدتنا، وجات بعد عذاب مكناش نجدر نرفضلها طلب، لكن بعد ما نشف عودها شوي، سوينا ليها عملية، والحمد لله بجت زينه دلوك وطبيعية كيفها كيف البنته ال زيها..لكن بعد أيه، بعد ما خلاص عجينتها اتسوت على العند والغرور، وراسها بجت انشف من الحجر..واديك ناضر كيف عمك كبر وبجى عضمة كبيرة والمرض هده..وهي بت يعني شوكة في ضهري، وعاري..لو كانت ولد مكنتش عونت همه اهو مهما كان برديك رادل ميتخافش عليه..انما بت عمك أسوي كيف معاها. وانت يامالك ولد عمها يعني دمك ولحمك وعرضك برضك.. أكيد حتساعدني وتحافظ عليها..جلت ايه يا ولد اخوي؟
لقد وصلت رسالة عمه إليه..نبرته الأسفة على حال ابنته وهو يحكي، صوته المتوسل اليه ويستجديه، ضعفه البادي في كل حرف وهو يسرد معاناته جعله يفهم أنه يوكل اليه تربية ابنته من جديد، وترويدها، وتقويم شخصيتها الجامحة.. آه ياعماه لقد أوليتني مسئولية جسيمة، كيف تريدني أن أتعامل مع واحدة من بنات حواء، كيف أتعامل مع جنسهن وأنا أبغضهن جميعا وأبغض حتى النظر لهن..لوكنت طلبت مني أن أتعامل مع عدوي لكان اهون من التعامل مع ذلك الجنس المخادع..لا..لا انها مهمه ثقيلة ..وأنا في غنى عن تلك المتاعب.
عندما طال شرود مالك وهو ينظر للأرض نهض عمه وقد شعر بعدم قبوله لتلك المهمة فربت على كتفه وأردف قبل أن يخرج:
-على راحتك ياولد اخوي أنا مش حغصب.. عليك تصبح على خير.
فتحت نريمان باب حجرتها بهدوء وحذر تتفقد ما حولها، فوجدت أبيها قد خرج من حجرة ابن عمها..فانتظرت حتى اختفى ثم مشيت على أطراف أصابعها وأمام حجرته عدلت من ( بلوزتها) ورفعت رأسها بكبرياء وفتحت باب حجرته دون حتى أن تستأذن، مما جعل مالك يحدق فيها غير مصدق وقاحتها تلك بل جرأتها..كيف لها أن تدخل عليه دون استئذان..ولم تعمل حساب أن يكون في وضع قد تخجل أن تراه فيه..ولكن كيف لتلك أن تعرف الخجل أن الحياء نزع من وجهها.
وجدته يجهز حقيبته فابتسمت بتشفي وعلمت أنه اخيرا سيرحل ذلك الجلف عنها، فقالت وهي تقبل عليه وقد وضعت يديها في خصرها تخطو في تؤدة وقد همست بكلمات تقطر وقاحة:
- الله ..أنت حترحل من هنا أخيرا..كويس.. آه متبقاش تيجي عندنا تاني.. تصدق أنا كان نفسي اجيب قلة واكسرها وراك..مش في بلدكم اسمها قلة بردو… اووول لا لاهه.
ثم ضحكت ضحكة أودعت فيها كل عجرفتها وعدم ذوقها..بعدها همت أن تخرج وقد أولته ظهرها تودعه بأصابع يدها في حركة متعالية هامسة في غنج مستفز:
-باااااااي.
كانت كلماتها تحفز اشمئزازه منها أكثر واكثر وتعلي بغضبه لها بل للنساء عموما اكثر وأكثر، ويتساءل بخيبة كيف انفلت عيار اخلاقك يا ابنة عمي الى هذه الدرجة، الله يسامحك ياعمي، خوفك الهيستري وتفريطك في تدليل ابنتك جعلوك تنتج للعالم مخلوقة متعجرفة غبية.. هل
ينقص عالم النساء المنحط مثل تلك المغرورة؟
ولكن هل سيتركها تطيح في العالم هكذا اقسم بالذي رفع السموات وسواكن من ضلع أعوج لأعيدن تربيتك يا ابنة عمي من جديد..وبعد أن ألقت في وجهه عفن غرورها وقبل أن تخرج لحق بها سريعا وجذبها من ذراعها بقسوة ثم أغلق الباب، ودفعها نحوه وألصق ظهرها به بدفعة مؤلمة حتى أنها أصدرت أهة ألم ولكنها لم تستطيع النطق، حدقت فيه بدهشة..أين غرورها وعجرفتها الآن لقد ذابا تحت قبضة يديه اللاتي جعلت يديها في مستواى كتفيها وكلما تأوهت ضغط بيديه عليهما حتى تتألم أكثر وأكثر..لأول مرة في حياتها تعرف الخوف، وتشعر بأن جسدها كله يرتعش.. انه يقترب بوجهه من جهها حتى لم يفصلهما غير أنفاسه الحارة وفحيحها المخيف، نظرات عينيه تجلدها دون رحمة ..نظرات شرسة مخيفة..ترسل له اشارات انذار، ويل، ووعيد ظل يتأملها بحقد وكره لا مثيل لهما يقلب شفتيه باشمئزاز كأنها شئ حقير أمامه..حتى اخيرا همس قرب اذنها:
-عايزة اجولك يابت عمي أن القلة اللي زمان كنا بنشرب منها ..دلوكيت ملهاش عازة عشان اخترعولنا تلاجات تشبه لحضرتك اكده.
اردادت أن تعترض على تشبيهه ولكنه أسكتها حينما تابع وهو يحدق في عينيها حتى جعلها تتراجع برأسها:
-هششش..اكتمي خاشمك..تعرفي دلوك احنا بنعملوا بالقلة دي إييه في بلدنا..بنكسرو بيها راس الحريم العوجة اللي زييك..عشان نعدلوها بيها..في حاجة كمان عندينا أسمها( جلة) متعرفيهاش طبعا وحدة جاهلة زيك حتعرفها منين..دي لامؤاخذة ( فضلات البهايم) دية ناخدها اكده ونلطعها على الحيط ولم تنشف نحطها جوه خشم الحريم اللي لسانها متبري منيها زييك اكده.. في حاجة تاني عندينا اسمها ( خرزانة) دي بنشتروها مخصوص عشان نأدبواا بيها الحريم ال معندهاش خشى ولا حيا..الحريم ال طايحة في الناس وكاشفة جتتها ليهم زي بنات ال..... لكنه صمت فقد فهمت اللفظ الذي كاد أن يتفوه به.
لم يبالي بغضبها الذي كسى ملامحها ولا شفتيها التي تزوووم باعتراض ولا حركاتها التي تريد بها الخلاص منه، بل زاد من الزج بها في ظهر الباب فكانت تتألم .
وتتألم أكثر من نظرات البغض التي يحرقها بها، أخيرا اطلق سراحها ولم يعطها فرصة للتفوه بأي كلمة بل جذبها من شعرها وفتح الباب وهو يقول لها بقرف:
-يلا غوري بجى من اهنه.."كسحة تاخد الحريم كلتها"