اخر الروايات

رواية وصية والد الفصل الثاني 2 بقلم علي اليوسفي

رواية وصية والد الفصل الثاني 2 بقلم علي اليوسفي

 (( الفصل الثاني ))

........................
أمسكت هاتفها لتطلب رقم شقيقتها في الوقت ذاته الذي اتصلت به نور، أجابت الاتصال هاتفةً: ما هذا الرضا كله آنسة نور؟؟؟. أنت بجلالة قدرك تتصلين بي؟؟؟
ضحكت نور على المقلب الآخر وهي خارجةٌ من محاضرتها: لا ،أنت لاتحلمين حضرة الطبيبة، المهم أخبريني هل أخبرتي والدي؟؟
تنهدت أماليا وهي تجلس على الأريكة خلفها مُجيبةً : نعم أخبرته.
توقفت نور عن المسير في رواق الجامعة الطويل وبلعت ريقها بارتباك وهي تتمتم: و؟؟؟
سكتت أماليا وهي تكاد تجزم أنها تسمع صوت دقات قلبها عبر الهاتف، ابتسمت بمكر وهي تقول بتمهل: أبي موافق.
صرخت نور بفرحة سرعان مااانتبهت لنفسها فوضعت يدها على فمها لتخفي ضحكتها وهي تلتفت حولها بخجل ،ثم أردفت: حقاً أماليا؟؟ أبي موافق؟؟؟
ضحكت الأخرى معها وهي تردد: نعم صدقيني، وأيضاً حدّد الموعد، يوم الخميس في الساعة الثامنة والنصف مساء.
تنهدت نور بسعادة وهي تسرع في خطاها لتخرج إلى حديقة الجامعة وهي تحدث شقيقتها: أشكرك أماليا، حقا انا مُمتنة لك، أراك في المنزل.
_ صاحت أماليا قبل أن تنهي المكالمة: انتظري نور، والدتي في الشركة كالعادة وانا ذاهبة إلى العيادة ولن أعود على وقت الغداء، أعتقد أنكِ فهمتِ مقصدي.
ابتسمت نور لتجيبها بمزاح: نعم أعلم أن والدي لن يتناول طعامه وأدويته إلا بعد سماع محاضرة من إحدانا.
ضحكت شقيقتها من مزحتها فهمست: أجل، تعرفين كيف هو والدي، المهم يجب أن تشرفي بنفسك على طعامه وتتأكدي أنه أخذ الأدوية.
صاحت نور وهي تضرب على رأسها تحية عسكرية بطريقه مسرحية: امرك سيدي، أية أوامر اخرى؟؟؟
اجابتها أماليا بمزاح: لا أيها الجندي، بإمكانك الانصراف.
أغلقت الهاتف وهي تزفر بسعادة، جلست على مقعدها الخشبي ثم طلبت رقم مجد، مرّت ثوانٍ حتى اتاها رده على الطرف الآخر: حبيبتي، هل اشتقتِ إليّ؟؟
ابتسمت برقة لمشاكسته الدائمة ثم تحدثت: تعلم أنني أشتاق إليك حتى وأنت بجانبي، أخبرني اين انت؟؟
_ أنا الآن أقف أمام القمر.
قالها مجد وهو يقف أمامها بمسافة قريبة ،ضحكت نور وهي تغلق الهاتف ثم سألته: هل أنهيت محاضراتك؟؟
رمى كتبه بجانبه على المقعد وهتف وهو يهمّ بالجلوس: مازال لديّ واحدة، وأنتٍ؟؟
- لقد انتهيت.
التزمت الصمت لكنه شعر بأن هناك أمراً ما تخفيه فسألها بعينٍ ضيّقة: ما الأمر نور؟؟ أهناك ماتخفينه عني؟؟
ابتسمت باتساع وهي تشير له بالإيجاب ثم همست: والدي ينتظرك يوم الخميس مساء.
رمش بعينيه عدة مرات قبل أن يصيح بسعادة: حقاً؟؟
عانقها بقوة وهو يصرخ: ياألهي نور، كم أحبك،!!
ضحكت بصوت مسموع وهي تبادله عناقه، لكنها تفاجأت بمن يقف أمامهما عاقداً حاجبيه قائلاً بتأنيب: لا يجوز هذا يا اولاد، أنتما في جامعة محترمة.
تركها مجد ليقف قبالة أخيه هاتفاً باستغراب: أدهم!! مالذي تفعله هنا؟؟؟
ربت أدهم على كتف أخيه مُجيباً وهو ينظر إلى نور: أتيتُ لأرى القمر الذي سلب عقل شقيقي.
أخفضت أنظارها خجلاً ،ثم تحدث مجد: نور هذا أدهم شقيقي الكبير.
ألتفت إلى أخيه مُتابعاً: أخي هذه ( نور الصاوي ) حبيبة قلبي.
اختفت ابتسامة أدهم عندما سمع اسمها، هذا الإسم مألوفٌ لديه بل ويحفظه عن ظهر قلب، طالعها بدهشة دامت لثوانٍ ،مالبث ان انتبه لها عندما وقفت قبالته وهي تمدّ يدها مُرحبةً: تشرفتُ بمعرفتك أستاذ أدهم.
تصنع الابتسام وهو يصافحها: تشرفتُ بمعرفتك نور، نادني أدهم فقط.
هزت رأسها إيجابا فسأل أدهم: إذاً، لقد أتيتُ لأدعوكما إلى الغداء لو أنهيتما المحاضرات، فما رأيكما؟؟
نظر مجد إلى نور بتساؤل، ثم أجابه بحرجٍ طفيف: حقيقةً أخي لم أُنهي محاضراتي بعد.
ثم أردف بابتسامة عريضة: لكنني سأقبل بعد الإنتهاء بالطبع لنحتفل، فوالد نور قد حدّد لنا موعداً يوم الخميس القادم.
صاح أدهم بفرحة واضحة وهو ينقل نظره بينهما: حقاً؟؟ هذه الأخبار السارة والتي تستحق الاحتفال.
عانق شقيقه بفرحة عارمة، لكن نور أجلت صوتها بحرج لتعتذر: أنا آسفة لكنني لا أستطيع الحضور.
طالعها كلاهما باستغراب لتضيف بتبرير: يجب أن أتناول الطعام مع والدي في المنزل.
حاول مجد إقناعها لكن أدهم ضغط على كتفه ليفهم إشارته، ثم قال: كما تشائين نور.
تهدل كتفاه بحزن وهو يقول: لا بأس نور، لكننا سنعوضها يوماً، أليس كذلك؟؟
أشارت له موافقة، ثم حملت كتبها وحقيبتها واستأذنت منهما لتغادر مبنى الجامعة ، استأذن مجد هو الآخر ليذهب إلى محاضرته ، فيما بقي أدهم وحيداً يفكر في أمر نور ، هل يُعقل أن الأمر فقط تشابه اسماء لا أكثر؟؟
ربما هذا الاحتمال الوحيد، فهي لا تشبهها بأية حال، نفخ بضيق وهو يحاول لملمة مشاعره التي بعثرها مجرد..نطق الإسم أمامه، مشاعرٌ جاهد طويلاً في دفنها داخله.
رحل أخيرا مُقرراً أن يُهاتف زوجته لتحضر خطبة مجد، فهي من ربته معه وكان لها بمثابة الابن الذي لم تنجبه.
..........................................................................
مشت أماليا في رواق المشفى بوجهٍ جامد وملامح جادة، حتى لمحت صديقتها المقربة والوحيدة،هدى ،تقف مع أحد الأطباء في المشفى، هتفت بابتسامة صغيرة عندما وصلت قربهما: صباح الخير.
التفت الطبيب ضياء نحوها ليتأملها بزرقاوتيه التي تفيض عشقاً فيما هتف مُردداً على مسامعها تحية الصباح، تحرّجت من تطلعه بها بهذا الشكل فتحدثت موجهةً كلامها إلى هدى: هل بإمكانك الحضور معي قليلاً؟؟
وجهت حديثها تالياً إليه وهي تسحب هدى : بعد إذنك حضرة الطبيب.
اختفت كلتاهما من أمامه، ومايزال طيفها يداعب مخيلته وهو يتنهد بعشق ثم تحدث: متى سيحنّ حجر قلبك عليّ ؟؟ متى؟؟؟
........... ...............
أدخلت هدى إلى مكتبها الخاص في المشفى فيما تحدثها الأولى بمشاغبة: مابكِ أماليا؟؟ ستمزقين ردائي؟؟؟
ابتسمت أماليا ساخر ةً وهي تلتف حول الطاولة لتجلس على الكرسي :لاتقلقي سأشتري لك واحداً آخر.
عدّلت هدى من هيأتها ثم جلست قبالة صديقتها هاتفةً بلؤم: إذاً، هلّا أخبرتني ماسبب تأخرك إلى هذا الوقت؟؟؟
نظرت لها بطرف عينها ثم عاودت بصرها إلى الأوراق أمامها تجيبها: لا شيء محدد.
رفعت بعض الأوراق من أمامها لتضعها على الجانب وهي تسألها: إذاً، كيف حال مازن والأولاد؟؟ وجابر أما زال بشقاوته؟؟؟
وضعت هدى قدماً فوق الأخرى بأناقة: بخير والحمدلله، كريم وجابر لا مثيل لهما، لكنّ والدهما هو الشقي.
ابتسمت أماليا لتسألها مجددا ساخرةً: مابه مازن؟؟
_ يريد فتاة.
قهقهت بخفة وهي تعبث بحاسوبها المحمول لتردف: أما زال مُصمماً؟؟؟
تنهدت الأخرى بتعب: نعم.
التمعت عيناها بخبث وهي تقترب بجسدها منها لتهتف بنبرة لعوب: أماليا؟؟
همهمت أماليا ومازالت عيناها ملعقتان بشاشة الحاسوب، لتضيق هدى: أما من طريقةٍ تجعلني أحمل ببنت؟؟؟
رفعت أنظارها إليها لتخبرها بسخط: صدقاً؟؟
تأففت وهي تعود بجسدها للخلف: ماذا أفعل ؟؟ مازن يريد فتاة .
ثم تابعت ببكاء مصطنع: واالا سيطلقني.
دُهشت أماليا مما سمعت، فأجابت: تعلمين؟؟ لقد رأيت أناساً كثر يتطلقون لأنهم لم ينجبوا سوى بنات،لا العكس؟؟
زمت هدى فمها بتبرم ثم سألتها وقد لمعت عيناها بمكر: أماليا، مارأيك بأن تتزوجي مازن؟؟
اتسعت عيناها بصدمة جلية فيما أردفت هدى بسلاسة كأنها ضمنت موافقتها : اكسب أمرين، الأول أضمن بقاءك بجانبي دائما، والثاني لعلّلك تنجبين له فتاة شقراء وذات عيون زرقاء تشبهك ويتركني لسبيلي.
تسارعت أنفاسها باضطراب من مزاح صديقتها الغير مرغوب فيه من ناحيتها، فتحدثت بهدوء مصطنع: هدى ،لديكِ ثانيتان لتهربي من أمامي وإلا....
رفعت يديها كعلامة استسلام وهي تهتف بسرعة لتقاطعها قبل أن تكمل تهديدها : حسناً حسناً لا تغضبي.
خرجت من فورها ،لكنها عادت وفتحت الباب لتضيف: لكن فكري في الموضوع.
صفقت الباب بسرعة قبل أن تطالها تلك العلبة الكرتونية الصغيرة التي رمتها أماليا تجاهها وهي تهدر خلفها: اخرسي يا غبية.
تعالت ضحكات هدى في الرواق لتصل إلى مسامع أماليا، تلك الحمقاء لا تنفكّ تطلب منها أن تتزوج زوجها، ربما لعلمها بأن أماليا لا تريد الزواج أبدا.
ضحكت بدورها ثم راجعت الملفات أمامها بعجالة، لتغادر عقبها إلى عيادتها الخاصة.
................................،..............................
وصل أدهم إلى مكتبه في معمل الأخشاب الخاص به وهو يحمل هاتفه المحمول، طلب أحد الأرقام الدولية على خاصيّة برنامج( الواتساب فيديو) وماهي إلا ثوان حتى ظهرت على الشاشة زوجة أدهم، ريما الرسّام.
كانت آيةً في الجمال،بشرتها الخمرية ناعمة وعينيها التي شابهت بتشكيلها ووسعها عينيّ المها، حدقتاها بلون العسل الرائق ، شعرها بني طويل عقصته على شكل كعكة مبعثرة ، وأكثر ماكان يميزها هو وجود غمازة في منتصف ذقنها، إضافةً إلى شامة تحت عينها اليسار أعلى خدها.
.
هتفت ريما بابتسامة متسعه : أدهم، كيف حالك؟؟
ابتسم أدهم على الطرف الآخر مجيباً: أنا بخير ريما، ماذا تفعلين؟؟
نفخت بسأم وهي ترمي قلمها الرصاصي على الطاولة أمامها: مازلتُ أعمل على العرض،إذاً، كيف حال مجد ؟؟. ماذا يفعل هذه الأيام؟
_ في الحقيقة هذا سبب اتصالي بك، سنخطب لمجد يوم الخميس القادم، وهو يتوقع حضورك قبل هذا اليوم.
فوجئت بالموعد الذي يُصادف بعد الغد،التزمت الصمت بصدمة، ازدردت ريقها بتوتر وهي تفرك جبينها بيدها، فبدت كمن يخفي شيئاً، فسألها بتفحص: مالأمر ريما؟؟ لمَ أشعر بأنك تخفين عني امرا ؟؟؟
تنحنحت بارتباك وهي تجيبه بتقطع: اسمع أدهم، لن أستطيع الحضور.
ضيق عينيه وهو يسألها: لماذا ريما؟؟؟ فما زال الوقت باكراً جداً للعرض أليس كذلك؟؟؟
أجلت صوتها وهي تشير له بالنفي لتردف: لا أدهم، للأسف موعد العرض يوم السبت القادم.
رفع حاجبيه بدهشة بائنة فأضافت وهي تمطّ شفتيها بأسىً: مُصمم الأزياء الذي كان قد حجز الصالة قبلي قام بإلغاء عرضه، وللأسف قام أصحاب الصالة بتقديم موعد عرضي إلى يوم السبت .
قطب جبينه بجدية فيما تابعت ريما بنبرة دبلوماسية: آسفة أدهم، لكنك تعلم كم تعبتُ حتى استطعت حجز دور للعرض في هذه الصالة، وإن قمتُ بإلغاء العرض فلن أستطيع تقديمه مجدداً لبعد عامٍ كامل، فضلاً عن اللمسات الأخيرة وتجارب الأداء وهذا كله يأخذ وقتاً ومجهوداً.
ضغط على شفتيه متفهماً وابتسم ابتسامةً باهتة: أعلم عزيزتي، سأخبر مجد وأعتقد أنه سيكون متفهماً للأمر.
عقدت حاجبيها بقلق فتحدثت: لكن ، إن لم يرضَ أدهم؟؟؟ هل تعتقد أنه سينتكس مجدداً؟؟
هز رأسه بالنفي مجيباً ليطمئنها: لا ريما، لا أعتقد ذلك فالأمر بسيط، وهو أيضاً يعلم كم تعبتِ في الأسابيع الأخيرة.
حركت رأسها بتفهم لتضيف: أرجو ذلك، وأنا سأحادثه أيضاً حتى لاينزعج مني.
..................................
شرد أدهم للحظات بعد أن اغلق المحادثة مع زوجته، هو أيضاً يخشى من انتكاسةٍ جديدة لمجد إن لم تحضر ريما خطبته، لكن هناك جزءاً منه يخبره بأن يطمئن فمجد قد تحسنت حالته بصورة كبيرة، نفخ بضيق وهو يمسح وجهه بيديه ثم قرر الخروج إلى مكتب الديكور الخاص به ،فلديه موعدٌ مع أحد العملاء الجدد.
دلف ادهم إلى المكتب ليجد هناك شابين بانتظاره وقفا فور دخوله ، دقّق النظر إلى أيمن فشعر أنه يعرفه ،مُقلتيه الخضراوان وبشرته السمراء يكاد يجزم أنه قد رآه قبلاً لكنه لم يتذكر أين.
وقفت مديرة مكتب أدهم لتعرفه إليهما باحترام: السيد رياض صاحب مكتب عقارات، والسيد أيمن خليل اشترى مكتباً ويريد أن يوضبه.
_ رفع حاجبيه بدهشة بائنة عندما سمع الاسم، لابدّ وأن اليوم يوم المفاجآت، اسماءٌ مألوفة له من ماضيه، هل يُعقل أن يكون أيمن هو نفسه من يظنه؟؟
انتبه لنفسه فرفع يده ليصافحهما مُرحباً، ثم دعاهما للجلوس، علم أنّ أيمن قد درس إدارة الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد عاد منذ عهدٍ قريب ليفتتح مكتب تجارته الخاصة.
في هذه الأثناء دخل مجد أيضاً ليجد عملاءً لدى أخيه، جلس ينتظر انتهاء الاجتماع ، فتحدث أدهم مُخاطباً شقيقه: أتعلم مجد أنّ السيد أيمن قد درس إدارة الأعمال مثلك تماماً؟؟
ابتسم أيمن فوجه أنظاره إلى مجد الذي هتف بسعادة: حقاً؟؟
هز أيمن رأسه بالإيجاب مضيفا: نعم صحيح، أخبرني في أي سنةٍ انت الآن؟؟
أجابه مجد : أنا في سنتي الأخيرة.
هزّ أيمن رأسه متفهما ثم تابع: حسنا، بعد أن تتخرج مارأيك لو تتدرب عندي؟؟ وقد تصبح شريكي أيضاً؟؟
ضحك مجد هاتفاً: هذا من دواعي سروري سيد أيمن، أتشرف بمشاركتك.
قاطعهما أدهم صائحا بمزاح: مهلا مهلا، دعونا أولا ننتهي من توضيب المكتب والديكور، ثم اتفقا بعدها.
......... ................،........ .....
مساءً ،اجتمع أفراد عائلة الصاوي على العشاء منتظرين حضور أماليا، التي نزلت عقب وقتٍ قصير تلبس ثياباً منزلية عادية، ابتسمت وهي تسحب كرسيها لتجلس إلى جانب والدها : لم أتأخر، أليس كذلك؟؟
ابتسم والدها لأمينة التي حضرت وهي تحمل طبقاً من المعكرونة المطبوخة متحدثا: لا عزيزتي أبداً، في وقتكِ تماماً.
وضعت أمينة الطبق على الطاولة،وقبل أن تمتدّ يد عمار ليتناول الطبق بلهفة ازاحته أماليا عندما قرأت أفكار والدها ثم صاحت : أين طبق أبي أمينة؟؟
حضرت سارة تحمل في يدها طبقاً فيه خضارٌ مسلوقة وضعتها أمام عمار الذي زمّ فمه معترضاً بمشاغبة كما الأطفال: لا أريد هذا الطعام.!!
ناولته أماليا شوكة وهي تحدثه: هيا أبي، تناول عشاءك.
نفخ عمار بضيق فردد و هو يتطلع إلى زوجته الجالسة بجانبه،متحدثاً بنبرة طفولية: أيرضيكِ هذا عليا؟؟ هاتان الفتاتان لا تسمحا لي بتناول ما أحبّ ابدا.
قهقهت عليا بخفة لتجيبه وهي ترفع كتفيها بقلة حيلة: وماذنبي انا؟؟ هما ابنتاك فتعامل معهما.
تهدل كتفاه بخيبة وهو يقلب طعامه بعدم شهية، طالعته زوجته بشفقة فأشارت إلى أماليا التي أشارت لها بعينيها أن لا حيلة بيدها، فوالدها مريض قلب ويجب أن يتبع حميةً صارمة تتضمن فقط العصائر والخضار المسلوقة.
...........
شابهت عليا ابنتها نور بدرجة كبيرة، باستثناء لون شعرها الذي اكتسب لوناً خمرياً فأعطاها إلى جانب جمالها هيئة شبابية، رغم أن سنها قد تجاوز الخامسة والأربعين .
هتفت عليا محاولةً التخفيف عن زوجها: ألم أخبرك عمار؟؟
انتبه لحديثه فأضافت: اليوم طلب مدير المصرف رؤيتي بشأن المشاكل المالية التي واجهناها مؤخراً في الشركة.
هز رأسه موافقا لتكمل بابتسامة عريضة: وقد تمّ حلّ جميع الأمور العالقة بيننا.
هتف بسعادة تناقض حاله منذ قليل: أي أننا قد تخلصنا من الديون العالقة كلها؟؟؟
أشارت له بالإيجاب فرفع كفها إليه ليقبله هامساً: حبيبتي، كنتُ واثقاً بأنك ستنجحين من دوني.
ابتسمت برقة فهتف عمار مضيفاً: بالمناسبة، لدينا ضيوف ليلة الخميس.
غصّت نور بلقمتها فناولتها والدتها كوب الماء وهي تربت على ظهرها بخفة، ثم أضاف عمار مازحاً: أرأيتي نور، هكذا هو الحب يا ابنتي يجعلك تختنقين حتى بطعامك.
طالعته عليا بدهشة ليشير لها بالإيجاب: نعم عزيزتي، هناك عريسٌ سيأتي لخطبة نور بعد غد.
التفتت عليا صوب ابنته التي ابتلعت ريقها بارتباك وهي تتمتم بصوت خفيض : لقد شبعت.
ثم هربت بخطوات راكضة من أمامهم، فيما بقي والداها وشقيقتها يضحكون عليها، استدارت عليا نحو أماليا لتهتف بنبرة ذات مغزى : آملُ أن نفرح بكِ قريباً أماليا.
اختفت ابتسامتها السعيدة لتحلّ محلها أخرى ساخرة، وضعت ملعقتها على الطاولة لتهتف هي أيضاً بضعف: وأنا ايضاً شبعت، تصبحون على خير.
راقبها والدها حتى صعدت الدرج ،تنهد بحزنٍ على تعاسة ابنته وإن لم تظهرها له ،فهو خير من يشعر بها، تطلع إلى زوجته التي تصنعت الابتسام وهي تربت على ذراعه المسنود على الطاولة: لا بأس حبيبي، أكمل طعامك لتأخذ دواءك.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close