رواية كاره النساء الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم سهير عدلي
الفصل الثالث والعشرين
كاره النساء
شارع طويل ويصل إلى بيته، ولكن تلك الآلام التي يئن منها جسده بفضل الضرب الذي تلاقاه على أيدي وحوش بشرية، وكأن عبيدا غلاظ القلوب مازالوا يجلدونه بلا رحمة، شعر أن هذا الشارع كأنه بلد سوف يسيرها على قدميه، تحامل على نفسه وتحمل تلك الأوجاع التي تنهش في عظامه، وواصل خطواته الواهنة، وإذ به قد لمح فتاة تركض وهي تنظر خلفها كأن أحد يلاحقها، توقف ولم يتوقف لاهاثه، وإذ بالفتاة تصتطدم به ثم صرخت فزعا، لم يتوقع أن تلك الفتاة هي ناريمان ، هي أيضا نظرت له في رعب ظنته في بادئ الأمر نائل قد لحق بها، وما إن تحققت من وجهه ووجدته مالك حتى تبدلت ملامح الخوف والفزع إلى ابتسامة سعادة مفعمة بالأمان بعودته وما إن سألها مالك بقلق مطعم بالدهشة:
_نريمان! مالك عتركضي إكده ليه؟!
نظرت في عيناه لحظات تستمد منه الأمان وماكان منها إلا أنها ارتمت في حضنه تبكي وتشهق ومشاعر شتى تفجرت بداخلها من خوف،و اشتياق،واحتياجها للأمان وأشياء أخرى لم تستطيع تفسيرها. جعلت مالك يزداد حيرة وقلقا أيضا فرفع رأسها بيديه يسألها:
_ في إيه جلجتيني جوي وأنا مش ناجص؟!
قالت وهي تشهق :
_أصل..أصل.....
_أصل ايه متتحددي؟
ولكنها لم تستطيع التحدث فظلت تبكي وجسدها يرتعش
ولم لم تتكلم زفر في حيرة واستطرد:
_ طيب تعالي نعاود على البيت يمكن لما تهدي تتحددي.
فوجئ بصراخها ونظرات الرعب التي احتلت عيناها من جديد ووجها وهي تهتف :
_ لأ..لأ بلاش نروح البيت عشان خاطري وديني أي حتى تانية.
هذه المرة صرخ و هو يهزها من ذراعيها:
_ أنتي حتجنيني في إيه جوليلي منروحش ليه البيت، في إيه هناك مخوفك جوي إكده.
_عشان خاطري يامالك وديني أي حتى تانية وأنا ححكيلك كل حاجة..بس بلاش نروح البيت دلوقت عشان خاطر ربنا.
توسلها ورجائها وخوفها الشديد البادي على وجهها وفوق كل ذلك آلامه التي يشعر بها جعلته يزفر باستسلام فالتقط يدها وقال لها وهو ينظر للطريق:
_ طب تعالي نركب عربية ونروح نبيت في لوكاندا وبعدين يحلها ربنا.
توقف قليلا عند ركوبه السيارة وقد وضع يده على جميع فقد شعر بألم وهو يستقلها، مما جعلها تنتبه وكأنه خوفها اعماها عن تلك الكدمات التي في وجهه، ووجهه الشاحب البادي عليه التعب والأرهاق فسألته بانزعاج:
_ايه ال في وشك ده.. انت اتخانقت مع حد ولا ايه؟؛
زفر بتعب ثم همس كأن الحروف تأبى أن تخرج:
_مش وجته.
**********************************
في بيت المربية....
صرخت جمانة وهي تنهض بحركة منزعجة تلقي عنها الغطاء وهي تتأمل المكان حولها، كأنها لم تعي ما حدث لها ولا منها، حتى تذكرت أمر قتلها لمروان ولجؤها إلى مربيتها التي أخذتها على الفور إلى بيتها، صرخت مرة أخرى وهي تخفي وجهها بين يديها تبكي غير مستوعبه ما حدث، لقد جاءت مربيتها تركض عندما سمعت صراخها، رأتها تسكب دموعها بين كفيها وقد أخفت وجهها فسألتها بانزعاج وقلق وهي تضمها لصدرها:
_مالك ياست جمانة انتي شفتي كابوس ولا ايه.. إسم الله عليكي ياضنايا..انا رحت اجبلك العصير لقيتك غفيتي مرتضتش اصحيكي، هو ايه ال حصل؟!
رفعت جمانة رأسها من على صدر مربيتها وتحدثت بصوت متقطع مرتبك يحشوه التوتر والقلق:
_أنا..انا قتلت مروان يا دادة..انا مش مصدقة نفسي ازاي عملت كده، بس انا مكنتش اقصد والله، انا..انا كنت عايز أبعده عني وخلاص لما هجم عليا والله يادادة مكنت اقصد والله مكنت اقصد، أنا حروح السجن يادادة؟ ..ح حيعدمووني؟
وعادت إلى صدرها تبكي وتنتحب وتشهق كأنها ستموت.. ومربيتها تشدد على حضنها وحال الفتاة مزق قلبها اربا فهمست علها تواسيها:
_ لا يابنتي بعد الشر عليكي إعدام ايه إن شاء الله خير..ربنا يجيب العواقب سليمة.
قالت ذلك لتهدئها..بينما القلق ينهش صدرها، فقالت جمانة وهي تترك حضنها وتنظر في عيناها كأنها تتأكد من صدق حديثها:
_ امال حيعملوا معايا ايه قوليلي عشان خاطري حيحملوا ايه؟ أنا خايفة قوي.
_ اقولك أنا حاروح الفيلا وأطقس اشوف الاخبار إيه.
_لأ..لأ يادادة متسبنيش لوحدي أنا خايفة ومرعوبة.
صرخت بها جمانة كالطفلة التي تخشى أن تتركها والدتها.
بعجز وحيرة اردفت مربيتها:
_ ماانا لازم اروح عشان كمان محدش يحس بيغابي..نعرف ايه الحصل هناك، وبعدين انتي مش لوحدك عيالي معاكي..متخفيش أنا حروح ساعة زمن اطقس اشوف الدنيا هناك عاملة ازاي واجاي عالطول اطمنك..ها ماشي؟؛
اومئت جمانة على مضض ثم همست بترجي:
_ طب متتأخريش عليا.
_ من عيني حاضر حاجي عالطول.
بعد انصراف المربية ضمت جمانة ركبتيها إلى صدرها وراحت تحتضنهما تسكب دموع الخوف بينهما.
*********************************
ذهبت المربية إلى الفيلا وقلبها يدق خوفاً،ما إن وصلت حتى ظلت تنظر حولها في تفقد ترى أي صوت يدل على شئ حدث، ولكنها لم تجد إلا الصمت، فزاد القلق بداخلها، وسألت ماسر هذا الصمت، أتراه الهدوء الذي يسبق العاصفة، ذهبت إلى المطبخ لم يكن هناك أحد، فزادت حيرتها، ماذا تفعل الآن؟ ساعة منذ أن تركت البيت هي وجمانة، ترى ماذا حدث في تلك الساعة، بعد لحظات وجدت احد الحراس يأتيها في المطبخ ويقول لها:
_بقولك ايه بسرعة اعملي للبيه فرخة وخضار مسلوق.
_ح حاضر
حاولت أن تخفي ارتباكها أرادت أن تسأله عن حال مروان ولكنها صمتت
وجدته ينصرف على عجل.. تنفست الصعداء ثم حدثت نفسها قائلة:
_ طالما سيدها طلب طعاما إذا فهو بخير.
اخرجت نفسها من شرودها وراحت تعد له ما طلبه، وقد تبدو هذه فرصة عندما تذهب له بالطعام تعرف ماحدث له.
******************************
نعود بالأحداث حيث ركضت جمانة تاركة مروان مخضب في دمائه، كان متكوما على الأرض يتلوى من الألم واضعا يده على أثر الطعنة التي طعنتها له جمانة، ظل يزحف حتى وصل إلى هاتفه الذي كان على الطاولة، تناوله بعد مجهود مضني، اتصل بأحد حراسه وبصوت واهن ضعيف خرج منه بصعوبة:
_تعالى في اوضتي بسرعة..بسرعة أنا بموت.
وفي التو واللحظة نحى الحارس دهشته وتساؤلاته جانبا وركض حيث حجرة سيده، وما إن وصل وجد الباب مفتوح ومروان متكوما على الأرض يتأوه فصرخ بانزعاج وهو ينحني عليه حاملا إياه:
_ مروان بيه مالك من عمل فيك كده.
_ بسرعة هاتلي دكتور.
قال ذلك بصوت ضعيف..فأجابه حارس:
_ حاضر يا مروان بيه.
وبعد أن حمله ووضعه على الفراش اتصل بطبيبه الخاص الذي أتى له بعد ثلث ساعة عمل له الاسعافات اللازمة وطمئنه أن إصابته ليست خطيرة وعليه أن يستريح في فراشه أسبوعا كاملا، وقد حاول الطبيب أن يعرف من الذي شرع في قتله حتى يبلغ الشرطة ولكن مروان لم يفصح عن شئ..ولأنه طبيبه الخاص احترم رغبته وصمت ، وطلب من حارسه تكتم الأمر وأن لن يبيح به لأي مخلوق.
أعدت المربية الطعام ورصته على صنية وصعدت به وهي متلهفة أن تراه، طرقت الباب بيد وبعد أن أذن لها دلفت وهي تتفحصه، كان راقدا على فراشه ووجهه أصفر شاحب، يبدو عليه الإجهاد والتعب، واقف بجواره حارسه فسألته بعد أن وضعت الصينية بجواره على (الكومود)
كان الحارس يساعده في الجلوس الصحيح حتى يستطيع تناول طعامه، لقد لمحت المربية الشاش المربوط به جمبه، فسألته كأمر طبيعي :
_مالك يابيه سلامتك الف سلامة؟
_اجابها بصوت ضعيف :
_ مفيش حاجة روحي انتي شوفي شغلك.
_ حاضر يابيه.
قالتها وانصرفت سريعا وبعد أغلقت الباب وضعت يدها على صدرها تتنفس الصعداء لقد فطنت أن اصابته خفيفة، فحمدت الله أن جمانة لن ينالها مكروه.
*******************************
في الاوتيل
جلس مالك على الفراش كوعيه مستقرين على ركبتيه، يستمع لنريمان التي كانت تحكي له كل ما حدث من نائل منذ أتى وحتى تصرفه الحقير معها فجعلها تهرب وتفر منه، كان يستمع لها وكلماتها أشد إيلاما من وجع ضرباته التي تلاقها، بعد أن انتهت من سردها ظلا صامتا ينظر موضع قدميه، صمته هذا أقلقها ركعت بين يديه وهمست له:
_ مالك اديله الهو عايزه خليه يمشي ونستريح منه..أنا مش عايزاك تحتك بيه أنا خايفة عليك.
رفع رأسه وتعمق في عيناها البريئة للحظات شعرت وهي تبادله تلك النظرات أنه احتواها وضمها تحت جناحه، وجدته يحيط وجهها بكفيه جعلها تلقائيا تغمض عيناها فقد خفق قلبها للمسته، وعندما همس بصوته الرخيم:
_ متخافيش، حيغور بعيد عنينا، حخليها يعاود على البلد ال جه منها وهو بيجول أنا مرة، بس افوجله وأنا حوريه مجامه واكل ناسه ديه.
_ايوة بس أنا خايفة عليك منه.. ده انسان وقح ومعندوش ضمير.
قال وهو يشدد قبضته على وجهها:
_ جولتلك متخافيش.
كلماته بعثت الطمأنينة داخلها وعاد الأمان يسكن قلبها فهمست له بنظرات مشبعة بالحب والاشتياق والأمان:
_ربنا يخليك ليا .. ياااااه أنا كنت مفتقداك قوووي يامالك لما رجعتلي حسيت أن روحي رجعتلي ربنا مايحرمنيش منك ياحبيبي.
كل هذا الحب والأشتياق الباديين في صوتها وكلماتها جعلت قلبه ينبض رغم عنه ، ولكنه تحمحم وترك وجهه، ثم نهض ذاهبا إلى المرحاض وهو يهمس :
_ أنا حجوم أغسل وشي عشان أنعس لحسن بجالي ليلتين منعستش.. ثم اسرع خطاه نحو المرحاض.
فزفرت بضيق وهي تهمس لنفسها:
_ لحد أمتى حتفضل تهرب مني.