أخر الاخبار

رواية وصية والد الفصل الحادي والعشرين 21 بقلم علي اليوسفي

رواية وصية والد الفصل الحادي والعشرين 21 بقلم علي اليوسفي

 الفصل الحادي والعشرين ))


.......................................

سئمتُ إدّعاء أن كل شيءٍ في حياتي مثالي .....استمر بإخبار الآخرين أنني بخير..... وتلك الابتسامة الرقيقة لا تزول عن وجهي...لكنهم لا يعلمون.... أنني أخفي خلفها آلاماً توازي آلامهم أجمعين.....لقد تعب ثغري من تلك البسمة الكاذبة..... كرهتُ التمثيل....يكفي .....!!!

...........................................

لم يغمض لعليا جفن طيلة الليل ، فكلتا ابنتيها لم تعودا إلى القصر أمس ، حادثت نور أكثر من مرة لكنها لم تجب، لم يكن لها أية صديقات فتذهب إليهن ، حتى خطر مجد على ذهنها ، لربما هو يعرف مكانها ، لم تأبه للساعة التي تعدت الثانية صباحا لتطلب رقم مجد من هاتفها الخاص .

لحظات طويلة حتى أتاها صوت مجد الناعس ، هتفت تسأله بنبرة متشنجة بلهفة: مجد يابني ، أعتذر إن كنت قد أيقظتك ، لكنني لا أستطيع الوصول إلى نور ، لقد خرجت أمس بعدما ......

قاطعها مجد بهدوء واحترام: لا تقلقي مدام عليا نور هنا.
قطبت جبينها بشك وهي تسير إلى إحدى الارائك تجلس عليها متسائلة: ماذا تعني بأنها هنا ؟؟

لم يرغب مجد أن يخبر عليا الحقيقة كاملة حفاظا على صورة نور، فتمتم بتفهم : لقد حضرت بالأمس وكانت تقريبا منهارة، بقينا نتحدث حتى نامت ولم أتمكن من إيقاظها وإعادتها إلى المنزل.

تنهدت عليا براحة عقب كلماته، لتضيف ببعض اللوم: لماذا لم تحدثني بني؟؟ كدتُ أفقد عقلي. !!

نعم هي محقة بلا شك، فهي والدة في النهاية ، مسح مجد على وجهه لينهض من مكانه مجيبا: أعتذر إليك مدام عليا ، حقا لم يخطر ببالي أن أحادثك ، آسف مجددا.

نفخت عليا بحزن لتنهي المكالمة مع مجد، نور متهورة وقد تلقي بهم إلى التهلكة ، حركت رأسها للجانبين بحيرة كيف تحلّ هذه الأزمة ؟؟
لم تشعر بالقلق ذاته على آماليا فهي تعلم يقينا أن الأخيرة بالغة راشدة وتملك من الوعي مايمنعها من ارتكاب أية حماقة ، مع معرفتها المسبقة بمكانها بعد رسالة هدى.

............... ......................

خرج مجد إلى الشرفة الملحقة بغرفته بعد إغلاقه المكالمة مع عليا ، نفخ بضيقٍ و كم وبخ نفسه كيف نسي أن يراسل السيدة اويحادثها ؟

تنفس بعمق ليتكئ على السور بذراعيه سارحا في عتمة الليل أمامه بتعابير مرتاحة ، رغم برودة الطقس لكن المنظر في الخارج رائع بشكل ملفت ، فكر في حل لمشكلة حبيبته التي تنغص عليهما حياتهما، لكن المشكلة الأساسية لدى آماليا وليست عند نور..فكيف الحل ؟؟

، قطب جبينه باستغراب عندما سمع صوت إغلاق باب المنزل الرئيسي ، تدلى بجسده للأسفل قليلا ليرى أدهم خارجا ، لكنه لا يبدو طبيعيا خاصة وأن حركاته غير متزنة و ركب سيارته لينطلق بها بسرعة، ضيّق عينيه بشك وذات الإحساس بأن علاقة ريما وأدهم ليست على مايرام عاد ليراوده، ترى مالذي يحدث بينهما؟؟

لا يعلم حقا، لكن لن يطول الأمر حتى يعرف السبب، ثم سيعمل على حل المشكلة بينهما بأسلوبه الخاص، حسب منظوره فسعادة كلا من أدهم وريما في كونهما سويا وأنهما معه ، ولن يتغير هذا الواقع أبدا مهما كان السبب، أيا كان الامر او الشخص الذي يسبب هذه المشاكل بينهما فهو لن يسمح له بالتمادي أكثر.

........ .................

لم يصدق أنه قد أقدم على هذه الفعلة حقا ، لم يكن يتخيل نفسه حتى في أحلك أحلامه أنه قد يرتكب خطيئتين في ليلة واحدة !!!

الشرب !!! لم يكن ضمن الاحتمالات التي قد يلجأ إليها ، حتى عندما كان مراهقاً غِرّاً في بلاد أجنبية ولم يكن على رأسه رقيب لم يفعلها ، لم يتدنّ إلى هذا المستوى يوما ، فكيف استطاع أيمن أن يدسّ له السّم في العسل ؟؟؟

زفر أدهم بضيق رافعا كفه ليحتضن وجنته الملتهبة، وماتزال أصابع ريما مرتسمة عليه، استند بكفه الاخر يعتصر السور الحديدي بقسوة ، لا يعرف كيف خرج من المنزل هائما على وجهه دون أن يلحظه احد، أو هكذا ظن ، ليأتي إلى هذا الفندق البسيط ، بالكاد استطاع طلب غرفة ليبيت فيها ماتبقى من تلك الليلة المحتدمة.

رفع رأسه ليطالع منظر الشفق أمامه ، قطب جبينه وماتزال كلمة ريما التي أعادته إلى رشده تصدح داخل ثنايا عقله ، يعلم أنها ما زالت تحب أيمن ، لكنها لم تعترف يوما كما فعلت أمس .

يشعر بأنه في متاهة ، مهما سافر وتغرب يبقى شابا شرقيا ، وبغضّ النظر عن كون ريما زوجته هي ابنة عمته وبمثابة شقيقته، لن يرضى لها بالخطأ ، لكن من قال أنها قد أخطأت أساسا ؟؟ مابالك أدهم ؟؟ ألم تعد تعرف ريما الآن.؟؟؟ يبدو أن حديث أيمن بالأمس قد لعب بعقلك وشتت افكارك.

خلل شعره بيديه منتبها على شروق الشمس لتملأ بسلاسلها الذهبية الأجواء ، رأسه يكاد ينفجر فاعتصره بكفيه: كيف سيقابل ريما الآن وبمَ سيتعذر ؟؟ حقا لا يعلم ، قرر أن يرتاح قليلا فدخل ليأخذ حماما ساخنا ينفض عن روحه ثوباً من الحزن والعناء اكتساه منذ الأمس، قبل أن يذهب إلى المصنع.

........................................................

استفاقت نور بعد ليلة حافلة من الأحلام المتداخلة بين الواقع والخيال ، رمشت عيناها وهي تطالع أثاث هذه الغرفة الغريبة عليها، انتفضت بغتة فآلمها رأسها نتيجة حركتها العنيفة فأغمضت عيناها ، تأوهت بخفوت ثم عادت لتفتحهما واضعة يدها على رأسها ، جالت بنظراتها في أنحاء الغرفة لتشهق بجزع عندما رأت تلك الصورة المعلقة ، إنها في غرفة مجد !!!
إذا تلك المشاهد التي ماتزال تومض في ذاكرتها عن قربه منها كانت حقيقية؟؟
ليس هذا فحسب بل كاد أن يقبلها ؟!!

أسقطت جسدها للخلف مجددا كاتمة آهة حرجة بيدها ، أجفلت بفزع عندما سمعت طرقات على باب الغرفة ، ازدردت ريقها وهي تنادي بصوت خافت يكاد يسمع ، وفي داخلها تتمنى ألا يكون من في بالها: تفضل ؟؟

لم يجب القدر دعوتها هذه المرة، فتح الباب ليظهر مجد من خلفه ، الذي ارتدى قناع الجمود عندما سمع صوتها، نكست نور رأسها للأسفل بخزي ولم تستطع النظر في عينيّ خطيبها.

وقف مجد بالقرب منها ، وضع كلتا يديه في جيبي سرواله ناظرا إليها دون حديث ، ازدردت ريقها مجددا وهي تهمس بخفوت: أنا آسفة.
لم يجبها فأضافت وهي تنظر إليه بتردد، بنبرة منفعلة بعض الشيء : لقد تشاجرت مع أمي واماليا ، وهاتفتك لكنك لم تجب .....

قاطعها بنبرة لائمة ذات مغزى: فتذهبين إلى هكذا أماكن مشبوهة نور ؟؟ بل وتشربين حتى تثملي وتفقدي وعيك ؟؟ ألم يكن لديك حل أفضل ؟؟

ضغطت على شفتيها دون إجابة فهو محق بكل الأحوال، فتابع مجد توبيخه الهادئ: ألم تفكري في توابع فعلتك ؟؟ لو لم أحدثك واجابني صاحب البار لما عرفت مكانك ، فكيف كنت سأتصرف حينها؟؟

سحبت الغطاء على جسدها وشدّت يدها عليه ، كانت ملامحها كطفلة امسكها والدها تأكل الحلوى في الخفاء ، مما جعل مجد يكتم نفسه ويضغط على نفسه لئلا ينفجر من الضحك على هيئتها ، زفر بضيق مصطنع ليقترب حتى جلس بجانبها ، مدّ يده ليرفع وجهها إليه مضيفاً بعتاب: أنا لا أريد إحزانك نور، لكنني قلقتُ عليك حقا ، انت لا تعرفين كم الأفكار السيئة التي تواردت إلى ذهني وانا في الطريق إليك.

تنهدت نور وهي تنظر في عينيه لتقرأ قلقا حقيقيا عليها ، زمّت فمها تجيبه بتنهيدة ثقيلة: أعتذر مجد، فعلا لم احسب توابع فعلتي ، لقد كنت بحاجة إلى أي أحد يسمعني ، او أن أفرغ غضبي في أي شيء، وعندما لم تجب اتصالاتي المتكررة وقعتُ في هذا المستنقع.

أخفض يده ناظرا إليها وقد استشعر ندمها حقا ، اعتذارها الصادق أسعده فهو خير من يعرفها ، نور ليست مهملة أو عديمة الأخلاق ، لكن الأحداث والمصائب المتتالية جعلت منها شخصاً آخر ، زفر من أنفه قائلا بصدق: أعلم حبيبتي ، وانا أعتذر إليك لأنني أغلقتُ الهاتف أمس ولم افطن لفتحه مجددا.

تنهدت نور بتعب ناظرة إليه بحب ، وشبح ابتسامة طفيفة تلوح على شفتيها ، فيما كان مجد يناظرها بعشق صافٍ ، قضى ليلته أمس يفكر في حل يرضي نور وعائلتها ، خمّن من عزوف آماليا عن الزواج وجود مشكلة كبيرة في حياتها، لكنه مؤمن بأن الحب يصنع المعجزات كما فعل معه هو ، فالحب قد غيّر حياته للأفضل فلماذا لا يجرب الوصفة ذاتها مع آماليا ؟؟؟

ربت على يدها فأولته نور كامل اهتمامها عندما أضاف بحماس طفيف: لقد كنت افكر أمس في حل لوصية ابيك و آماليا ، وأعتقد أنني وجدته.

قطبت جبينها باهتمام وأومأت برأسها لتحثه على الحديث فأضاف: اسمعي، ربما آماليا ترفض الزواج لأنها لم تحبّ حقا ، ودورنا هنا أن نحثها على أن تحب أحدا فتتزوجه وبذلك تُنفذ الوصية.

شردت في هذه الفكرة، ربما تحليل مجد حقيقي فهي لم تشعر يوما بأن شقيقتها قد اهتمت برجل في حياتها دون والدها ، إذا ربما لم تجرب يومآ الحب الحقيقي ، وتحتاج إلى دفعة واحدة من أحدهم ، وبذلك تحلّ أزمتها دون خسارة شقيقتها أو شركة أبيها ، ضيقت عينيها تسأل مجد : وكيف نحثها نحن على ذلك؟؟

ابتسم بمكر مجيبا بثقة: أن نعرفها إلى شاب ما ويكون ذو مواصفات مغرية.
استنكرت نور كلماته الأخيرة التي بدت غامضة، فسألته بامتعاض ممتزج ببعض السخرية : وكيف ذاك ياعبقري زمانك؟؟

لم يتأثر بسخريتها ، بل أعاد ظهره للخلف قائلا بابتسامة خبيثة: دعِ الأمر لي عزيزتي.

لم ترقْ لها نبرته الماكرة ، لكن إن كان مايفكر فيه سيحل الأزمة بينها وبين عائلتها فليكن.

............... ......................

وقفت الغزالة الجريحة في شرفة غرفتها ، كتفت يديها أمام صدرها شاردة في الأفق ، عبراتها المتألمة لم تجفّ منذ الأمس ، لم تتوقع يوما أن تقع في موقف مماثل ، من اعتبرته سندها وحاميها يجرحها بهذه الطريقة ؟؟

آنّة وجع اخترقت روحها المُعذبة ، إلى متى ستبقى في هذا الألم ، إلى متى؟؟ همست بصوت خافت وهي تغمض عينيها الغزلانية: إلى متى سأبقى في خضمّ هذا المرار ؟ إلى متى يا آلهي؟؟ يامن ينتشلني من عذابي ويساندني ، أنا الضحية الأضعف هنا ، أنا من تتخبط في بحر التيه واتألم وحدي .
مسحت على قلبها بلطف كأنما تواسيه مضيفة بهمس: ارحمني يا آلهي ، لقد تعبت أقسم أنني استهلكت طاقة صبري كلها.

اجهشت بالبكاء بصوت عالٍ حتى قدميها لم تقوى على حملها أكثر ، فسقطت جاثية على الأرض وهي تبكي بصوت مسموع، الضغط الذي تعايشه منذ فترة لا يُحتمل، أن تكون امام من تعلق قلبها بهواه وترى الكراهية في عينيه قاتل ،لتأتي فعلة أدهم أمس لتكون بمثابة القشة التي قصمت ظهرها .

..............................................

اوصل مجد نور إلى منزلها بعد أن تناول إفطاره معها ، ليتجه إلى مصنع شقيقه ينتظره هناك ليحادثه ، لكنه لم يجد أدهم فحاول طلبه على هاتفه لكنه لا يستجيب.

رمى هاتفه على الطاولة نافخا بضيق، فكر في المكان الذي قد يذهب إليه شقيقه لكنه لم يجد، فأدهم ليس أصدقاء مقربين.

لملم اشياءه الخاصة عازما على العودة إلى المنزل ليسأل ريما، فهو لن يبقى كالأصمّ بينهما، سار في الممر المؤدي إلى خارج المصنع ، لكنه لم يخطِ خارج مكتب أدهم سوى عدة خطوات ليصادف هادي، مسؤول قسم الصيانة في المصنع، تفاجأ الأخير بوجود مجد هنا ، خاصة أنه لم يحضر مذ أسس عمله الخاص، فهتف مرحبا بحبور: سيد مجد؟ مالذي رماك في ديارنا بعد غياب؟؟

ضيّق مجد عينيه متأملا به، إنه شاب متكامل، جسد رياضي طويل القامة عريض المنكبين، مهندس ميكانيك مثابر وذو سيرة حسنة رغم حاله المتواضع مالياً، أنارت فكرة خطيرة في ذهن مجد، ولمَ لا؟؟

وضع يده على كتفه مربتاً بترحاب زائد غير مألوف : أهلا هادي، كيف حالك؟؟
استراب الآخر من تكلف مجد الغير مسبوق ، ربما كان لطيفا عادة لكن ليس إلى هذا الحد، فيما أضاف الآخر غير عابئاً بنظرات الاستغراب التي تتقافز من عينيّ الآخر: أخبرني هادي، ماذا تفعل هذه الأيام ؟؟

رفرف هادي بأهدابه مجيبا ببعض التوتر: اعمل كالعادة.
أشار مجد برأسه متفهماً ومازال يربت على كتف هادي بودّ غير معتاد، نظر الأخير إلى كتفه سائلا بشك: هل هناك خطبٌ ما سيد مجد ؟؟

اسبل يده ليضعها في جيبه مجيبا: في الحقيقة هادي نعم، أريد دعوتك إلى الغداء ، اليوم أو غدا فما رأيك ؟؟

لم يكن هادي غبيا لئلا يشعر بأن هناك خطب أو غاية ما يريدها مجد من اهتمامه به، لكنه قبل أن يسأل حضر أدهم ليتفاجأ بوجود شقيقه في المصنع ، أصابه توترٌ طفيف من وجوده ، سرعان ماتمالك نفسه ليهتف ببساطة وابتسامة طفيفة: مجد؟ مالذي تفعله هنا ؟؟

استأذن هادي ليتابع مسيره إلى مكتبه تشيعه عينا مجد ، وقد لحظ أدهم نظرات شقيقه الغير بريئة ناحية الرجل ، قطب جبينه ليربت على ظهر مجد فحصل على انتباهه ، دخل إلى مكتبه محدثا أخاه الذي تبعه بخطوات متمهلة، وعلى وجهه ابتسامة ماكرة: ما الأمر مجد ؟؟ مالذي فعله المهندس هادي ليجعلك تبتسم هكذا؟؟

كان قد جلس خلف طاولته عند هذه النقطة، جلس مجد قبالته وقد نسي تقريبا سبب حضوره إلى هنا، مرت ثوان حتى التفت صوب شقيقه متحدثا بحماس: لم يفعل شيئا بعد، لكنه الحل.

نبرته لم تَرُق لأدهم الذي ضيّق عينيه بشك ، كتف يديه على الطاولة ليسأل شقيقه مباشرة: ماذا تقصد؟؟

اتسعت ابتسامة شقيقه الخبيثة ، ليقترب من أدهم ويخبره بما جعل دماءه تهدر في شرايينه بعنف: سأزوجه آماليا !!!

........................................................................

يتبع.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close