رواية كاره النساء الفصل الخامس عشر 15 بقلم سهير عدلي
الفصل الخامس عشر
كاره النساء
صراخاتها تخترق سمعه، واستغاثتها باسمه تصعق قلبه، فيولد لديه صراع مرير.. بين قلبه الذي يصارع حتى يهب لنجدتها، وعقله الذي يصارع حتى يفيق ويلبي ندائها، فيتململ بقوة كأنه ينازع حتى تعود له الروح..صوتها الحنون الدافئ طوال فترة غيبوبته مازال يتردد في أذنيه..كلمة حبيبي التي أطعمت بها قلبه وغذته إياها كانت لها الفضل في أنعاش روحه ومقاومة غيبوبته، لمساتها مازالت بصمة سوف يجد أثرها حتى بعد أن يفيق..دموعها التي صبتها على صدره أنبتت داخله حنينا لها.
تصرخ باسمه وتستنجد به..اسمه بين شفتيها المستغيثتين تصفع عقله الباطن الذي يتشبث بقوة بعقله الواعي ليظل نائما في غيبات الزهول..ولكن عقله الواعي يصرخ به وكأنه يقول له:
-قم..وهب لنجدتها..انها الآن في أمس الحاجة إليك.
في خضم الصراع الذي يعانيه مالك وهو يحاول أن يقاوم زهوله وخروجه عن الواقع.. صرخات نريمان أسواط تجلده وأخيرا تغلب عقله الواعي واستفاق قلبه ونهض ليراها تسحق تحت ذلك السافل..الذي استباح عرضه أمامه ظنا منه أنه بلا وعي..وأذ بسامر يفاجأ بيد تجذبه من دبر قميصه ويكيل له ضربات سريعة متتالية..قوية.. ولم يتركه حتى سقط ذلك الذئب مغشيا عليه..ونريمان واقفة في ركن الحجرة منزوية على نفسها، شعرها أشعث ثيابها مقطعة..وجهها شاحب تلون بألوان شتى واضعة يدها على فمها وهي ترى مالك يضرب سامر بعنف..وما إن أنتهى وكان كالذي دخل معركة ببقايا قوته ولا يعلم من أتت له تلك القوة..وسرعان ما انهار أو كان على وشك. . ركضت نحوه سريعا ترتمي في حضنه تصب كل دموعها على صدره..دموع الخوف الذي تحول الى أمان بفضله. دموع الضياع الذي أنقذها من براثن ذلكن الذئب..دموع السعادة لعودته الى الحياة..دموع رجولته التي هبت لنجدتها وصارعت غيبوبته من أجلها..كانت تلصق نفسها به بشدة كأنها تريد أن تخترق ضلوعه حتى تشعر بأمان أكثر..ظل لحظات ساكن يديه بجواره مرتخيتين.. وإذ به يرفعهما بتردد وخوف ليحتويها بهما.. فاتسعت عيناها غير مصدقة أنه ضمها اليه.. ولأول مرة يفعل ذلك..فابتسمت وأدمعت حتى انها نظرت لوجهه المرهق كأنها تسأله هل أنت حقيقي ضممتني اليك..فعادت واسندت رأسها على كتفه تثتثمر تلك اللحظات النادرة وتمنت ساعتها الا تنتهي تلك اللحظات..بل أنه شدد من ضمه لها ..وشددت هي بدورها من ضمه اليها كأنه ترجوه أن لا يتركها..فهذه أول ضمة لها منذ أن تزوجها..أول مرة يلمس جسدها جسده..أول مرة يكون قريب منها..أول مرة تشعر أنه زوجها ،سندها، أمانها، رجلها..أنه كل شئ في حياتها..وإذ بها شعرت بجسده يترنح ويديه تخلتا عنها فنظرت له بانزعاج وهي تصيح :
-مالك ..في ايه...مااااالك.
كان قد سقط بين يديها ولكن عيناه مازالتا مفتوحتين بضعف وإعياء يهمس بصوت ضعيف كأنه يقاتل ويستميت حتى يبقى مستيقظا من أجلها ومن أجل أن تشعر بالأمان:
-مت..مت متخفيشي.
لم تتخلى عنه بعد أن سقط وانما ظلت يديها الضعيفتان تحملانه وتساندنه وهي تقول وصوتها المنهار تتوسله:
-أوعى يامالك يغمى عليك تاني أنا مصدقت انك رجعتلي تاني..قاوم ..قاوم أرجوك..أنا ..أنا حتصل بالدكتور..بس مش عارفة أعمل ايه أسيبك ولا أستنى داداة ولا أعمل ايه..ساعدني يامالك ساعدني عشان خاطري.
بعينين مرتخيتين..ووجه أصفر شاحب..وشفتين زرقاء أومأ برأسه رافعا يده نحو وجنتها يربت عليها بمعنى لا تخافي، ابتسمت له وحاوطت كتفها بساعده، والتف ذراعها حول خصره ترفعه حتى ينهض تهمس بصوتها الذي يعاني وهي ترفعه:
-قووووم..قوم معايا نام على السرير لحد ما يجي الدكتور.
قاوم مالك حتى استقر على فراشه.
نظرت نريمان باحتقار لجسد سامر المسجي ثم خرجت مسرعة لكي تتصل بالشرطة..وهاتفت ايضا الطبيب الذي سردت له كل ما حدث واستبشر خيرا وأخبرها أنه سوف يحضر على الفور وقد أوصاها أن تضع له طعاما حتى يسترد بعض من قوته.
***********************************
أين تماسكها الذي كانت تتحلى به، أين شجاعتها التي اقتبستها من كلمات أكرم حتى أنها شعرت أن بمقدورها أن تواجه الليث في عرينه، لماذا تبخرتا الآن؟ وبمجرد دخولها حجرتها ومروان خلفها وقد أغلق الباب بالمفتاح..حتى شعرت بخوار داخلها وتبخر تلك القوة، وماتت شجاعتها، وارتعش جسدها، وانتفض قلبها كأنه يدق آخر دقاته، خطواته التي تقترب منها جعلت نبض قلبها يسرع بجنون كأنه في سباق للركض..ولقد حضر مشهد ليلة زفافها وكأنه مشهد سينمائي يعاد تصويره..حتى أنها تراجعت للخلف في زعر..وبدأت تصرخ وتصرخ بأعلى صوتها:
-لا..لأ..ﻻ..ﻻ..متقربيليش..أبعد..أبعد..أبعد..أب....
لم تكمل استغاثتها فقد سقطت في بئر الأنهيار.
-جوماااانة.
هتف بها مروان بانزعاج..وهو يسرع اليها ..يحملها ويضعها على فراشها..رأسها مستريحة على ذراعه..ويده تزيل شعرها من على وجهها الشاحب..الغاضب..ازعجه خوفها منه..وتذكرها لليلة زفافه..شعر بغصة في حلقه، يغمض عينيه بقوة وألم يضم رأسها الى صدره قائلا في مرارة:
- متخفيش مني ياجومانة..متخفيش مني ياحبيبتي..سامحيني..سامحيني ياروحي..أوعدك أني مش حأذيكي تاني..أوعدك أني حعوضك عن كل الشفتيه مني ومن أبوكي الله يرحمه.. متخفيش من جوزك ..أنا جوزك وحبيبك .
كانت في عالم آخر لم تسمع توسلاته..ولم ترى دمعاته..ولم تشعر بندمه ولا حبه الذي يبثه لها.
لقد اتصل بطبيب وبعد أن فحصها علم منه أنها في حالة انهيار عصبي، وتحتاج للراحة وعدم تعرضها لأي تأثيرات نفسية سيئة حقنها الطبيب بمهدئ يجعلها تنام حتى الصباح..لم يستطيع مروان النوم..لقد مكث بجانبها يتأمل وجهها الشاحب المكسو بالخوف بل الرعب، وللأسف هو السبب في ذلك ماذا يفعل لكي يزيل عنها هذا الخوف الشديد ، كانت زفراته حارة كأنه يقتبس حرارتها من جهنم..يضم رأسها الى صدره علها تشعر بالنار التي تكوي فؤاده نار الندم التي يتلظى بها..ولم يشعر بنفسه حتى غفى على وضعه هذه..غفى وهو ضاما لها.
********************************
لقد عادت أم أحمد مربيتها وهي ترى الهرج والمرج الذي سباباه خروج الشرطة وهي قابضة على سامر تدفع به أمامها بقسوة، فاتسعت عيناها في انزعاج..ضربت على صدرها وهي تتمتم لنفسها بجهل للأمور:
-ياخرابي ايه الحصل في غيابي.
ثم هرولت متجهة صوب حجرة نريمان فطرقت الباب ثم دلفت وهي تتفقدهما بعيون تملؤها الجزع ثم هتفت :
-ست نريمان ايه الحصل..أنتو كويسين.
التفتت نريمان لها وأجابتها بعد أن تركت مكانها بجوار مالك وتقدمت نحوها:
-متخافيش يادادة احنا كويسين الحمد لله.
-طب البوليس ده ال ساحب سي سامر ليه ..هو عمل ايه؟؛
-تعالي معايا في المطبخ وأنا احكيلك.
قالتها بهمس وهي تسحبها من يدها متجهة بها صوب المطبخ.
ثم قصت لها ما حدث تحت نظرات الزهول التي بدت في عينان ام احمد..هذه الأخيرة التي هتفت بانزعاج:
-يخرب بيته بقى كل ده يطلع من الأستاذ سامر..
-اهو ده الحصل يادادة ..المهم دلوقت بقى عايزاكي تعملي اكل لمالك عشان ياكل ويشد حيله قبل ما يجي الدكتور.
- بس كده من عنية حاضر ..ده كفاية انه ربنا خد بايده وفاق ياما انت كريم يارب.
هتفت بها في سعادة وراحت تشرع في اعداد الطعام في حماس.
مرت أكثر من ساعة على الأحداث التي حدثت..بعدها حضر الطبيب كان مالك وقتها قد أكل واسترد القليل من عافيته، ألقى عليه الطبيب تحية مغلفة باابتسامة تنم عن سعادته بعودته من الغيبوبة:
- السلام عليكم.
ردت نريمان ومالك بصوت خافت ضعيف:
-وعليكم السلام ورحمة الله.
جلس الطبيب في مقعد بجوار مالك فهتف وهو يفحصه:
-عامل ايه دلوقت؟
مالك بصوت خافت:
-زين.
الطبيب وقد انتهى من فحصه المعتاد:
-طيب تقدر تتكلم دلوقت ولا حتتعب؟
مالك باعياء:
-لاه حجدر.
قبل أن يتحدث مالك التفت لنريمان ثم قال لها:
-أتركينا لحالنا دلوك لو سامحتي.
طلبه تسبب لها في الضيق ولكنها اخفته مؤقتا، وفضلت أن تخرج حتى يستطيع الكلام..وكم كانت تتوق لسماع حديثه فالفضول يقتلها لكي تعرف سبب ما حدث له ولكن هي الآن تتمنى عافيته قبل أي شئ.
ما إن خرجت حتى تنهد مالك براحة..وعلى أثر هذه التنهيدة سأله الطبيب :
-ليه مش عايزها تعرف ال حصل.
-إكده أحسن .
اضطر الطبيب أن يحترم رغبته تلك حتى يتحدث على سجيته ثم استطرد:
-طيب قولي.. ايه الحصل معاك خلاك توصل للأنهيار لدرجة انك تفقد الوعي؟؛
تنهد مالك بعمق يمسح وجهه بيديه بطريقة عنيفة كأنه يحاول أن يسيطر على انفعالاته، وأخيرا طاوعته حروفه فخرجت كأنها تنازع:
-فاليوم ديه كنت في الشغل..وخلاص إمروح..لجيت مدام زهرة بتدخل عليا المكتب
-مين مدام زهرة دي.
قاطعه الطبيب بها وهو يدون ملاحظاته في مفكرته.
استطرد مالك وقد نظر له بعينان زابلة:
-دي زبونة مهمة كان عمي عرفني عليها في بداية شوغلي معااه.
فلاش باك..........
في اليوم ديه استغربت عشان أول مرة تاجي متأخر إكده وكمانيتي كانوا كل الموظفين والعمال تقريبا روحو، لجيتها بتجولي:
-مساء الخيييير
تفوهت بها بغنج ودلال تمط حروفها كأنها تراقصها.
نظر مالك إليها فضيق مابين حاجبيه في استياء ..سببه سحنتها الملطخة بمساحيق تجميل صارخة، وكأنها غانية، أتت لتعرض بضاعتها الرخيصة عليه..جسدها الذي تتمايل به في ثوبها الضيق اللامع كأنه أفعى على وشك أن تبخ سمها فيه، كعبها العالي الذي يصدر أنغاما صاخبة مع خطواتها المتمايعة تحرضك على قتلها، حاول مالك أن يكتم غيظه ويوئد سخطه علها تنصرف سريعا..لذلك أجابها دون إكتراث وتصنع أنه مشغول في فحص بعض الدفاتر وبنبرة جافة:
-مساء النور.
ولأنها أمرأة ذكية وتعلم أنه يفتعل عدم الاهتمام بها لكي يتملص منها، وتعلم أيضا أنه رجل غير كل الرجال اللذين قابلتهم ، لذلك سوف تمرر له كل ما يفعله فهو صيد ثمين له مذاق مختلف لن تجعله يفلت منها أبدا، فحرصت على أن ترمي له طعم جيد لكي تصطاده بها..وكان هذا الطعم يتمثل في حركاتها اللعوب..وصوتها الذي تحشوه بالرقة، وجسدها البض المتناسق الذي يهتز بدون سبب.
اقتربت منه وكل لفتة منها تدعوه، وترغبه وترواده عن نفسه حتى كادت أن تلتصق به فهمست بصوت يملؤه الأغراء:
-أزييك عامل أيه..تعرف أنك وحشتني قوووي طول ماانا مسافرة وأنا فكر فيك.
وهنا لم يستطيع مالك كبح غضبه، أحمرت عيناه..وانتفخت أوداجه ونفرت عروق رقبته فأبعدها عنه وثار في وجهها غاضبا:
-أييه يامرة أنتي..متجفي عدل وتتحددتي زين ولمي.....
قاطعته زهرة ولم تبالي بثورته ولا غضبه بل اقتربت منه وحاوطت رأسه بيديها وشبكت أصابعها خلف رقبته وراحت تهمس وأنفاسها تلفح وجهه:
-بقولك ايه مكفاية تقل بقى..صدقني لو جربتتي مرة مش حتسلاني..أنا مفيش حد قدر قبل كده يقاومني..تعالى معايا البيت..وأنا حبسطك قوي..ثم نفخت في وجهه واستطردت تقول بصوت يحرضه على الفحش:
-هاه قلت ايه يا حبيبي.
ظل ينظر لها بحقارة أنفاسه متهدجة..قربها منه نارا تكوي جسده..أنفاسها كأنها تأتي من الجحيم..حاول أن ينزع يديها من حول رقبته ..ولكنها تتشبث به بقوة.. مغمغمة في اصرار:
-متحاولش أنت أسيري انهاردة ومش حروح غير بيك.
وكأن ما يحدث له من غزو لتلك المرأة اللعوب كان شبيها لمشهد حدث أمامه في الماضي..كان صغير عمره ست سنوات، يرى أمرأة حركاتها تشبه لحركات زهرة..ملابسها الفاضحة مثل ملابس تلك المرأة ..ميوعتها..حديثها ذو النبرة المتمايعة..شعرها الغجري وكأنه يحرضه مثلها..اصرارها في اقتناص فريستها..كل ذلك يشبه لتلك المرأة تلك المرأة التي بغضها من كل قلبه..لم يشعر الا ويديه تطبقان على رقبتها يريد أن يزهق روحها أم تراه يزهق الماضي محاولا اغتياله حتى يمحوه من عقله الى الأبد..ماضي ظل وبات يؤرقه..اتسعت عينان زهرة بقوة وحاولت أن تسعل فلم تستطيع..تشهق بعذاب محاولة ان تجلب لنفسها الهواء.. يديها تحاول بلا أمل أن تنزع يديها من على رقبتها ولكن مالك راح يضغط في اصرار حتى شخص بصرها وترنحت بين يديه..تركها أخيرا ..ينظر لوجهها الذي ازرقا.. وعيناها الشاخصة..ممدة على الارض جثة هامدة..راح يلهث بشدة يتأمل يديه اللاتي ازهقت روح تلك الغانية، كان يرجع الى الوراء بخطوات ثقيلة..زاهلة في لحظة سار قاتل..قاتل..أنه قاتل.
-مالك ..مالك حاسس بايه؟؛
هتف بها الطبيب عندما وجده يتنفس بصعوبة..ووجهه بدأ يشحب ويصير ازرق كان يصارع بيديه وقدميه كأنه يحتضر..لقد تأثر بما يحكي فعادت اليه ذكرى ذلك الحادث الأليم..نهض على الفور وحقنه بمهدأ ..وبعد أن اشتغل مفعوله ونام ..خرج الطبيب فوجد نريمان جالسة مع مربيتها يحتسان الشاي وما إن رأته حتى هرولت اليه وسألته بلهفة:
-دكتور ..مالك قالك ايه طمني؟
بصعوبة أخفى أسفه.. تذكر رغبة مالك في عدم سماعها لما يقوله..لأن ما قاله بالتأكيد أكبر من استيعابها له..لذلك لم يفصح لها بشئ حتى يظهره صاحبه..ابتسم بعملية بعدها أردف:
-يعني مفيش حاجة مهمة قوي..هو لسة تعبان عشان كده مقدرش يتكلم..أنا اديته منوم مش حيفوق قبل بكرة الصبح. . وأنا حكون هنا قبل ما يفوق باذن الله.
-طيب يادكتور.
قالتها وهي تشعر بداخلها أن الطبيب يخفي شئ عنها خاصة عندما انصرف بعجل ولم يعطها الفرصة لكي تسأله أسئلة اضافية ..بعد انصراف الطبيب ظلت شاردة تفكر في مالك وما حدث له حتى أن مربيتها أسفت لحالها فربتت على كتفها قائل:
-خليها على الله يابنتي وأدعيله ..والله أنا حاسة أن حيخف وحيبقى زي الفل.
-يارب يادادة.
-الا قوليلي ياست نريمان هما الحج والحجة متصلوش بيكي من ساعة ما مشيو .
-اتصلوا مرة وحدة وطمنتهم علينا..وأنا كمان اطمنت عليهم.
-مقالوش حيرجعوا امتى.
-لسة شوية يا دادة خمستاشر يوم كمان ويرجعوا..والله وحشوني قوي ونفسي بقى يرجعوا عشان يشيلو الحمل عني الشوية.
-ان شاء يرجعوا بألف سلامة.
-يارب يادادة يااارب.. بقولك ايه روحي انتي شوفي ال وراكي ..وأنا حدخل لمالك اطمن عليه.
-حاضر من عنية ولو عوزتي حاجة اندهيلي.
-ربنا ما يحرمني منك يارب ..أنا مش عارفة من غيرك كنتي عملتي ايه.
-متقوليش كده يضنايا انتي زي بنتي ربنا يفك كربك يااارب.
قالتها وهي تضمها لصدرها تربت على صدرها في حنان بالغ.
**********************************
استيقظت جومانة تنظر حولها في تيه، تتأمل تلك الحجرة التي تضمها كانت هي الحجرة التي ذبحت فيها، لقد تذكرت ما حدث أنه عاد بها ليعذبها بذكرى تلك الليلة المشئومة فظلت تدثر نفسها بالغطاء في ذعر وخوف، ليس لها ونيس غير دموعها، وبعد أن هدأت قليلا.. قامت من على فراشها بهدوء وحذر..نحو الباب..ووضعت أذنها عليه فلم تسمع أي صوت..أحكمت أغلاقه بالمفتاح..حتى شعرت بقليل من الأمان ..عادت الى فراشها تلملم ضعفها خلفها..جلست عليه واندست تحت الغطاء حتى تذكرت خطاب أكرم..فراحت تبحث عنه كالمجنونة تحاول أن تتذكر أين خبئته..حتى تذكرت انها دسته في حقيبتها ..نهضت سريعا تبحث عن الحقيبة حتى وجدتها بجوارها على( الكومود) فتحتها وبحثت عنه فعثرت عليه ..فتنهدت في راحة..جلست على فراشها وفتحته تقرأه مرة أخرى بل مرات ومرات حتى يطمئن قلبها.
( جوجو حبيبتي
أنا بكتبلك الجواب ده وأنا مستعجل عشان مكنش عندي وقت..انا فوجئت أن اتنقلت للصعيد..وكان لازم انفذ النقل ده فور والا يوقفوني عن العمل..لكن مدير المستشفى وعشان انا في معزة ابنه بعتني لمؤتمر طبي في قبرص..لغاية ما يحاول يلغى النقل ده..أنا عرفت ياجومانة أن مروان هو السبب في نقلي عشان يبعدني عنك..لكن متخفيش انا مش حتخلى عنك..كل ال بطلبه منك انك تصمدي وتقاومي لحد ما أرجع ..هو شهر واحد بس ياحبيبتي وحرجع وحخلصك من الحيوان ده.. جومانة مش عايزك تخافي..ولازم تعرفي اني انا جمبك حتى لو أنا بعيد..أستنيني ياحبيبتي حرجعلك بسرعة..خلي بالك من نفسك..أوعديني انك متأذيش نفسك
حتلاقي في ظهر الجواب اميلي كلميني منه..
استودعك الله
أكرم)
ضمته بعيون مغرورقة بدموع الحب ضمته اليها كأنها تضمه هو..انتشلها من تلك اللحظة طرقات على باب حجرتها ففزعت .
بسرعة خبئت الخطاب تحت وسادتها وقامت لكي تفتح الباب..كانت مربيتها جالبة لها الطعام.
-عاملة ايه ياحبيبتي.
اجابت جومانة في استقطاب:
-كويسة.
-طب يلا بقى عشان تاكلي أنتي مكلتيش من أمبارح.
صاحت جومانة ثائرة:
-انا مش عايزة أكل ويلا شيلي الأكل ده وسبيني لوحدي لو سمحتي.
سمعت أقدام تقترب من حجرتها انها خطواته..تحفظها جيدا عن ظهر قلب خطوات ثقيلة قوية تدب على الأرض دبا.. فبسرعة اندست تحت الغطاء وهي تتصنع النوم.. غطت رأسها حتى لا تراه منكمشة كالطفل في بطن أمه..مدت يدها تحت الوسادة وسحبت الخطاب..تضمه الى صدرها ..تستمد منه العون والقوة وتبكي في صمت.
لقد رآها وهي تختبئ تحت غطائها بسرعة لكي تهرب منه..أشار بعينيه للمربية حتى تخرج من الحجرة.. لاتدري أن بفعلتها هذه قد طعنته في فؤاده بخنجر سام..زوجته وحبيبته تخافه وتفر منه ،وتهرب ،وتختبئ حتى لا تراه..هو الذي يجب أن يحميها وتفر إليه وليس منه جلس بجوارها على الفراش ولقد لاحظ ارتعاشة جسدها دون ارداة منها لقربه هذا..فأغمض عينيه بقوة يكبح غضبه يعض على شفته السفلى ليخفي ألمه.. ود لو أن ينزع عنها ذلك الغطاء الذي يحجبها عنه كحاجز منيع..ود لو أن يضع يده على جسدها هذا المكفن بكفن الرعب..عله بلمساته يجلب لها الأمان..ولكنه يخشى العواقب..يخشى عليها من ضغوط على نفسيتها أكثر فاكتفى بأن همس بصوت أودع فيه كل حبه وأسفه لما تفعله به:
-يااه للدرجادي مش طايقة وشي ومش عايزة تشوفيني..عالعموم أنا مش حزعل منك..لأني عارف انك ليكي عذرك ..بس عايزك تعرفي أني حصبر عليكي لحد مترجعيلي، لانك مراتي وملكي أنا ومحدش يستجري مهما كان مين أنه يخدك مني.
جملته الأخيرة تلك ماذا تعني..اهي تهديد لي ووعيد أم ماذا..انسابت دموعها في صمت تحت الغطاء تضم ذلك الخطاب اليها أكثر واكثر كأنها تقول لصاحبه:
-أدركني ياأكرم..أغثني من ذلك الوحش ..أغثني ياحبيبي.