رواية ذئب يوسف الفصل الثاني عشر 12 بقلم زكية محمد
ذئب يوسف
الفصل الثاني عشر
بقلم زكية محمد
عادت من العمل برفقة شادي الذي أتى و اصطحبها معه، ولكنها لاحظت الأجواء على غير العادة فهتفت بتعجب :- واد يا شادي هو في إيه ؟ الحركة مش طبيعية في البيت النهاردة!
هتف بصرامة مصطنعة وهو يمسكها من ملابسها كالأرنب :- واد ! بلعب معاكي أنا ! اسمها أبيه أي نيلة على عينك، يا بت أنا أكبر منك .
أردفت بتذمر وهي تحاول الفكاك منه :- يا عم مش لما تحترمني أنت الأول، بدل ما أنت عمال تمطوح فيا كدة .
تركها بغيظ قائلاً :- أديني سيبتك، يارب بس تلمي لسانك اللي زي المبرد دة .
أردفت بتساؤل وهي تتطلع للعمال الذين يعملون بهمة ونشاط :- بس مقولتليش ياض في إيه عندكم ؟ ولا دي أسرار عليا !
هز رأسه بيأس قائلاً :- اه منك اه، لا يا ستي مش أسرار ولا حاجة كل الحكاية أن ابن عمك عاصم راجع هو بنته النهاردة .
قطبت جبينها بتعجب قائلة :- مش اسمه مراد ولا متهيألي ! و بنت مين هو أتجوز ؟
ضربها على رأسها برفق قائلاً :- لا يا أم الغباء، دة أخوه وهو مسافر لندن وجاي النهاردة .
أومأت بتفهم قائلة :- مش تقول كدة يا عم بدل ما الواحد تايه كدة ! بس قولي في حد تاني ما أعرفهوش ولا خلاص على كدة أتعشت ؟
ضرب كتفها بمزاح قائلاً بتهكم :- لا يا شبح مفيش حد تاني، أمشي يا بت مش ناقصة جنان .
ضيقت عينيها بوعيد، وعلى حين غرة دفعته بقوة، و ركضت للداخل قائلة :- اللي يعرف أبويا يجي يقوله .
انتصب في وقفته بعد أن أختل توازنه ضارباً يد بأخرى قائلاً :- عليه العوض ومنه العوض، ماشي يا مجنونة .
ولجت للداخل فوجدتهم جميعهم بالأسفل حتى والدها، فابتسمت له بحنو، و ردت عليهم التحية، ثم توجهت لوالدها، و قبلت يده قائلة بمزاح :- شطور يا بابا هبقى أجبلك شكولاتة علشان سمعت الكلام . أخدت الدوا ولا لسة ؟
ضربها بخفة على رأسها قائلاً بضحك :- يا بكاشة عيل صغير أنا ! اه يا ستي أخدت الدوا وكله تمام .
ربتت على كتفه بإرتياح قائلة :- ربنا يكمل شفاك على خير يا بابا .
تدخل عمها قائلاً بابتسامة :- سيدي يا سيدي كل الحب دة واخده لوحدك يا مجدي.
وجهت أنظارها نحوه قائلة بمرح :- حاضر يا عمي هجبلك شيكولاتة.
ضحك بصخب قائلاً بمزاح :- لا أنا عاوز حبة من الحنان دة .
أردفت بضحك :- ماشي، بس ميكونش لميس موجودة علشان ناخد راحتنا .
قطبت جبينها بضيق مصطنع قائلة :- إيه يا ست رورو عاوزة تاخدي جوزي مني ؟
رفعت كتفيها قائلة ببراءة واهية :- مش عمي ! يعني ما أدلعش الراجل !
ضحكت بخفوت قائلة :- وماله يا رورو دلعيه بس مش أوي ...
أردفت بتذكر :- ألا صحيح يا مرات عمي أنتوا ليكم ابن عايش برة و متقوليش .
ابتسمت بود قائلة :- مجاتش مناسبة يا حبيبتي، الحمد لله ربنا هداه وهيرجع بعد 3 سنين غربة .
شهقت بصدمة قائلة :- 3 سنين ! يلا ربنا يرجعه بالسلامة، بس قوليلي هو فريزر بردو ولا لا ؟
هزت رأسها بعدم فهم، فأسرعت الأخرى تسب نفسها بداخلها على تسرعها، و أردفت بابتسامة :- قصدي يعني هو طويل ولا قصير ؟ بقلم زكية محمد
أردفت بهدوء :- لا هو طويل زي مراد .
تمتمت بداخلها :- ربنا يستر و ميكونش فريزر زي أخوه . ثم تابعت بصوت مسموع :- شادي قالي أنه معاه بنت ؟
هزت رأسها بحزن قائلة :- اه عندها ست سنين، مامتها ماتت بعد ولادتها بسنتين في حادثة .
قطبت جبينها بأسى قائلة :- يا حبيبتي ! ربنا يرحمها، شوقتيني أشوفها أوي، هما هيجوا إمتى ؟
- يعني ساعتين تلاتة كدة .
رفعت بصرها بمكر قائلة :- إزيك يا جدي، إزيك يا جدتي، عاملة إيه يا مرات أبويا؟ ما بتردوش ليه ؟! سنانكم وجعاكم ! طيب أنا طالعة فوق .
قالت ذلك ثم توجهت للأعلى، بينما أردفت ناريمان بكره :- يا رب ما تلحقي تنزلي و تموتي ونرتاح منك .
______________________________________
الجمته الصدمة عندما وجدها تتشبث به كالغريق، وعلى الفور ازدادت ضربات قلبه بعنف، و ازدرد ريقه بصعوبة، ولا يعلم ما عليه فعله، إذ ظل كالصنم المنحوت لا حركة له.
أخذت تنتحب بمرار لعلها تفرغ بعضاً من الثقل الذي تحمله، بكت كما لم تبكي من قبل، تركها هو تفرغ شحنة حزنها لعلها ترتاح بعد ذلك، بينما ظلت ذراعيه معلقة بالهواء، لا يعرف أيحاوطها و يبعث لها الأمان، أم يظل هكذا حتى تبتعد هي ؟!
بدأت وتيرة أنفاسه تزداد، و شعر بنقص الهواء بالمكان، ربما نقلت له عدوتها، أو هو على مشارفها .
ما إن أدركت فعلتها و وضعها، شعرت و كأنها تذوب كالزبد من فرط الخجل، لاحظ هو تيبسها، فأسرعت تجلس بعيداً عنه، و أحنت رأسها للأسفل كي تتحاشى النظر إليه، و بدأت تضغط على أصابعها حتى كادت أن تدميها .
خرج صوتها بتلعثم تبرر فعلتها قائلة :- أنا،أنا،مممم، ما أقصدش،أنا مش عارفة عملت كدة إزاي !
هز رأسه بهدوء قائلاً كي يرفع عنها الحرج :- مفيش مشكلة، يلا أتكلمي و قولي اللي حصل .
رفعت عينيها الدامية نحوه قائلة بقهر :- و هتصدق ؟
أومأ بتأكيد قائلاً :- أيوة هصدق ..
أخذت نفساً عميقاً، ثم بدأت تقص عليه كل شئ من بداية مجيئها لطلب المساعدة منها حتى تلك اللحظة، وسط تعبيراته التي كانت ما بين الذهول والصدمة والتعجب و الغيظ والغضب تجمعت بداخله، وما إن انتهت أردفت بدموع حبيسة :- والله العظيم هو دة اللي حصل، أنا معرفهمش، روحت معاها من باب الإنسانية، ولو أعرف إن كل دة هيحصل كنت رفضت، بضرب نفسي مية جزمة إني ساعدتها .
طالعها بفيه يصل للأرض، وهتف بعدم تصديق :- يعني أنتِ استحملتي ضرب أبوكي، و كلامنا اللي زي السم علشان بس ما تفضحيهاش ؟
أومأت بضعف قائلة :- أيوة استحملت كل دة علشان الحديث بيقول :- عن مسلمة بن مخلد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فك عن مكروب كربة فك الله عز وجل عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته"
بس هي مسبتش حاجة عدلة، قلبت الطربيزة عليا، و دلوقتي يا إسلام يا ريت متقولش لحد، أنا بس so قولتلك علشان مش قادرة استحمل نظرات الإتهام دي منك واسكت .
أردف بانفعال :- نعم ! مقولش لحد ! أنتِ هبلة ؟ إزاي مقولش لحد ؟ و سيرتك اللي بقت على كل لسان في العمارة، وعلاقتك بأبوكي و أخوكي اللي تقريباً باظت ؟ بقلم زكية محمد
أردفت بحزن :- الناس هتنسى، أما بابا مش أول مرة علاقتنا تبوظ بالشكل دة، أنا أكتر حاجة وجعاني أنه موثقش فيا في بنته اللي عايشة تحت عينه .
أردف بنفي :- بس أنا هقول للكل ومش هسكت .
قال ذلك ثم خرج مسرعاً، بينما جلست و وضعت يديها على وجهها قائلة برجاء :- ربنا يستر و تعدي على خير، سامحني يا رب غصب عني .
_____________________________________
نزل لشقة أسماء، وطرق الباب، ففتحت والدتها الباب، وهتفت بضيق :- يا أهلاً إيه جاي تكمل على البت مكفاكش اللي عملته مراتك ؟
هتف بهدوء مصطنع :- أنا جاي أعتذر يا خالتي لأسماء يا ريت تناديها.
أردفت بضيق :- و متجيش ليه هي الهانم ولا على رجلها نقش الحنة !
زفر بضيق قائلاً بضجر :- بعدين هجبها تعتزر .
مصمصت شفتيها بتهكم قائلة :- لما نشوف ! إتفضل يا إسلام على ما أناديها .
دلف للداخل وهو يحمحم بصوت عال قائلاً :- يا ساتر .
بعد دقائق، جلست قبالته قائلة بضيق :- خير يا أستاذ إسلام !
حمحم قائلاً :- ما تعملينا كوبايتين شاي يا خالتي، وحشني الشاي بتاعك .
ابتسمت بانشراح قائلة :- من عنيا يا إسلام ..
تابعها بعينيه حتى اختفت، فنظر لأسماء قائلاً بغيظ :- بقى مراتي هي اللي صورتك، وهي اللي ودتك هناك ؟
زاغت عيناها بتوتر قائلة :- أيوة .
أردف بوعيد :- اممممم طيب حيث كدة بقى إيه رأيك يا حلوة الصور دي هوديها لأبوكي تحت دلوقتي ..
اتسعت عيناها بذعر قائلة :- لا لا أبويا لا الله يخليك بلاش .
أردف بمكر :- ليه ؟ دة علشان يجبلك حقك !
هزت رأسها بعنف قائلة بتلعثم :- أنا، أنا مسمحاها خلاص.
ضيق عينيه بغل قائلاً :- مش عيب عليكي يا أسماء تكدبي ؟ أنا هنزل لأبوكي و هقوله إنك كنتي مصاحبة الواد دة اللي في الصور و شوفي بقى الحج هيعمل إيه ؟
ارتجفت أوصالها، و أردفت برعب وهي تهم بتقبيل يده قائلة :- أبوس إيدك بلاش أبويا يعرف، دة هيموتني و هيرجعني الصعيد ومش هيخليني أكمل علامي .
أبعد يده سريعاً قائلاً بغيظ :- ومش حرام عليكي تتهمي غيرك في ذنب أنتِ عملتيه ؟ إيه يا شيخة دة إبليس يتعلم منك ! عملتي كدة ليه دة جزاتها أنها ساعدتك .
جزت على أسنانها بغضب،فلم تتوقع أبداً أن تخبره، لطالما هي كاتمة الأسرار ولا تخبرها لأحد مهما كلفها الأمر، إلا أنها أخبرته تلك المرة، فأردفت بغل :- هي كدابة على فكرة بتحاول تبرأ نفسها قدامك.
زم شفتيه باستنكار قائلاً :- برده هتقولي كدابة ! شوفي يا بنت الناس أنا هعمل اعتبار لأبوكي الراجل الكُبرة دة ومش هتكلم، بس قصاد إنك تمسحي الكلام اللي نشرتيه من عقول النسوان بأستيكة، فاهمة يا شاطرة ؟ اتقي شري أحسنلك، و اه الصور هتفضل معايا لحد ما تنفذي .
ثم نهض قائلاً باذدراء :- سلام يا ...يا حلوة .
انصرف مسرعاً، وظلت كما هي شاحبة الوجه، و حديثه يتردد في أذنيها، بينما أتت والدتها وهي تحمل الشاي قائلة بتعجب :- أومال الجدع راح فين ؟
لم تجبها، بل ظلت شاردة في ملكوتها، فتابعت والدتها بحدة طفيفة :- بت يا أسماء أنتِ يا بت !
انتفضت في مكانها قائلة :- خير يا أما ؟
- فين إسلام ؟
أردفت بتلعثم :- اااا، معرفش قصدي مشي معاه مشوار مستعجل، أنا داخلة أكمل مذاكرة .
تركتها وانصرفت للداخل و بداخلها خوف من القادم .
______________________________________
صعد لشقة عمه، وجلس معه منفرداً قائلاً بمزاح :- إيه يا عمي مش ناوي تنورنا في الشقة و تتعشى عشوة حلوة كدة من بنتك !
عبس قليلاً قائلاً :- لما أفضى من شغل الوكالة.
تنهد بعمق من عمقه العنيد الذي تشبهه ابنته في الكثير من الصفات، و أردف بهدوء :- لا أنت بكرة إن شاءالله هتاجي تتعشى معانا أنت و العيلة كلها ودة آخر كلام يا عمي هزعل بجد، و مريم هتزعل أكتر .
أردف بغيظ :- بالله عليك ما تجيب سيرتها دة إحنا اتفضحنا من تحت راسها .
أردف بحذر :- عمي مريم ما عملتش حاجة كل دة كدب .
هتف بانفعال :- واللي شوفناه كدب ! دة أنت حتى كنت معانا يا راجل !
زفر بتعب، ثم أخذ يقص عليه ما حدث، ولم تكن صدمته أقل منه، فأردف بغضب عارم عندما انتهى إسلام من سرد الحقيقة عليه :- اه يا بنت ال.......
ثم نهض متابعاً بغل :- طيب وديني لأوريها بت ال.....دي .
مسكه إسلام مانعاً إياه من الخروج قائلاً بروية :- أهدى يا عمي مش كدة، أهدى و فكر بالعقل، أنا بس قولتلك علشان أبرأ مريم قدامك، إنما نعمل مشاكل خلينا إحنا الأصلة .
أردف بانفعال وغضب من نفسه :- والكلام اللي سمعته عن بنتي، هنصلح دة إزاي؟ هنروح نقول لكل واحد وواحدة دة كدب من غير مبرر ؟
هز رأسه بنفي قائلاً بمكر :- أطمن يا عمي أوعدك زي ما قالت عنها الكلام الوحش دة هخليها تصلح كل حاجة.
أردف بحنق :- والأستاذة اللي فوق ساكتة ليه؟ ما نطقتش و برأت نفسها ليه ولا غاوية تعب والسلام !
ثم تابع بندم شديد :- دة أنا ضربتها لأول مرة في حياتي أرفع إيدي عليها .
مط شفتيه بضيق قائلاً :- بنتك ضحت بنفسها علشان واحدة ما تستاهلش، وإن كان على مريم بكرة تيجي بعلبة بسبوسة حلوة كدة و تصالحها بيها، يلا هسيبك أنا بقى تصبحوا على خير .
بعد وقت دلف وهو يحمل الصغير الذي يغفو بسلام على كتفه، أسرعت مريم نحوه لتمسك الصغير و تضعه بالفراش قائلة :- يا حبيبي أنت نمت !
حملته برفق، و رفعت أنظارها نحو الآخر قائلة بهدوء خجل :- غير هدومك علشان تتعشى، هروح أنيم ميدو و أحضر الأكل علطول .
أومأ لها بابتسامة خفيفة، بينما دلفت هي لتضع الصغير برفق على الفراش، و قبلته في وجنته المكتنزة بحنان، ثم دثرته جيداً، لتخرج بعدها و ترص الطعام على الطاولة ريثما ينتهي هو.
جلست تنتظره، فخرج مرتدياً ملابس بيتية مريحة، ومن ثم جلس ليتناول طعامه .
نظرت له بحذر قائلة :- عملت إيه ؟
ابتسم بهدوء قائلاً :- متقلقيش عملت كل خير، ثقِ فيا .
ابتسمت له بامتنان،فظهرت غمازتها التي يلاحظها لأول مرة، قائلة بشكر :- شكراً على اللي عملته معايا، و شكراً إنك صدقتني.
قطب جبينه قائلاً بمرح :- بتشكريني على إيه يا هبلة ؟ أنتِ ناسية إني جوزك، وإن دة واجبي ناحيتك
قرع قلبها كالطبول بين ضلوعها، و اصطبغت وجنتيها باللون القرمزي، وكم دغدغت الكلمة مشاعرها برقة، اقشعر بدنها على إثرها، فهزت رأسها بخفوت، ونظرت للطعام تلهي ذاتها كي تهرب منه، بينما أخذ هو يطالعها بمشاعر جدت عليه لم تكن أبداً في الحسبان، فهو بين عقل ينهره، وقلب يخبره بأن يقترب ولم لا طالما هي زوجته، ولكنه لا يزال حبيس ذكريات مؤلمة له، و بعيداً عن هذا يشعر بأنه يقترف خطأً جسيماً كلما تذكر أنها كانت يوماً زوجة أخيه . تنحنح بخشونة قائلاً :- بكرة إن شاءالله هيكون في عزومة عندنا بابا وعمي ومحمود وكله .
هزت رأسها قائلة برقة :- طيب كويس قولتلي من دلوقتي علشان أعمل حسابي، بس في حجات ناقصة كدة .
- اكتبِ اللي ناقص في ورقة وأنا هجيبه.
إلتزم كلاً منهم الصمت، حتى أنهوا طعامهم، وبعد أن لملمت الأطباق و غسلتها، أردفت بتوتر :- تحب تشرب حاجة ؟
عبث في خصلات شعره قائلاً :- اه يا ريت كوباية نسكافيه .
أومأت له، و ولجت للداخل،بينما مسك ياقة الفانلة الصيفية التي يرتديها، و أخذ يحركها بعشوائية لينبعث الهواء له قائلاً :- و بعدين معاك بقى ؟ هو النفس بيتشفط من المكان كدة ليه ؟ شكلك مش هتجبيها البر معايا .
أدار التلفاز، و أخذ يقلب في القنوات حتى استقر على أحد الأفلام الأجنبية الشهيرة، فأخذ يتابعه بتركيز شديد على الرغم من أنه شاهده العديد من المرات .
أتت وهي تحمل كوبين و وضعتهم على الطاولة الصغيرة، وما إن رأت الفيلم هتفت بصوت حماسي :- الله ! مملكة الخواتم، خليه يا إسلام بالله عليك، أنا بحبه أوي.
أردف بضحك :- أهو قدامك مش هقلب، تعالي نتفرج عليه سوا .
أومأت بابتسامة اخترقت صدره كالرصاصة، ولكنها أحدثت نغماً هادئاً محبباً بداخله . جلست إلى جواره قائلة :- دة الجزء الأول followship of the ring حلو جداً، كدة نسمع على رواقة ..
ظلا يشاهدا الفيلم بانسجام شديد، و بمرور الوقت، شعر بثقل على كتفه، فوجه مقلتيه ناحيتها وجدها تغفو على ذراعه بسلام، وكادت رأسها أن تسقط لولا يده التي حالت دون ذلك، فمال بظهره على الأريكة، و أراح رأسها على صدره و سرعان ما سمع دقات قلبه السريعة مجدداً.
رفع يده التي كانت ترتجف قليلاً، و أزاح خصلات شعرها التي تحجب عنه رؤية وجهها، و أخذ يسير بأصابعه على بشرتها الناعمة يتلمس ملامحها ببطئ،وجدها تجعد أنفها بضيق أثر فعلته، فابتسم بعبث و كرر الفعلة، فهتفت بنعاس :- بس يا ميدو عاوزة أنام.
كتم ضحكته بصعوبة و كرر الفعلة، فصدمته حينما أردفت بنعاس، وهي مغمضة العينين حينما رفعت رأسها قليلاً، ثم جذبت رأسه ناحيتها وقبلته في وجنته بعمق قائلة :- أديني بوستك أهو يلا بقى سيبني عاوزة أنام .
قالت ذلك ثم عادت أدراجها لتتوسد صدره مجدداً، تنام بعمق وهي تشعر بالدفئ يغلفها، فأحتضنته أكثر لتهمهم بسعادة وكأنها تطير فوق السحب، ولا تعي لذلك الذي كاد أن يصل ثغره للأرض بعد فعلتها، لو كان عداءاً بمارثون يركض فيه لما كانت حالته كهذه، أخذ صدره يعلو و يهبط بعنف، و حبوب العرق تجمعت حبيبات العرق فوق جبينه، فهتف بتوتر:- أنا قولت من الأول أنها مش هتجيبها البر .
قال ذلك ثم نهض بحذر من جوارها كالملسوع، و ازدرد ريقه بتوتر، وكاد أن يدلف لغرفته ليهرب من تلك المشاعر اللعينة التي تطارده في الآونة الأخيرة، لا يريد أن يعترف بها، ولكنها ترغمه في كل مرة على الاعتراف، وكأنها تخبره لا مفر من الهروب، نظر لها وحدها تنام بعدم راحة، فتنهد بصعوبة قائلاً بتبرير زائف :- يووه أنا هشيلها و أنيمها مكانها وخلاص .
سحب نفساً طويلاً لعلومه نقص الأكسجين قرابتها، حملها برفق وتوجه لها ناحية غرفتها، ومن ثم مددها برفق، و وجد نفسه يقبلها بوجنتها بخفوت، وفعل المثل مع الصغير ودثرهما جيداً، ومن ثم خرج من الغرفة، وهتف بابتسامة حالمة :- شكلك بتتكلم صح يا محمد لازم أتغلب على كل حاجة و ابدأ معاها من جديد . بقلم زكية محمد
_____________________________________
قبل ذلك بساعات قليلة كانت العائلة تجلس مع الابن الغائب والذي أشتاق إليه الجميع، وكانت الطفلة تجلس على فخذي رحيق التي اندمجتا معاً سريعاً و أحبت رحيق الفتاة كثيراً، ولكن ما أثار دهشة عاصم هو معرفته أن لديه ابنة عم أخرى على قيد الحياة فقد ظنها أنها ماتت مع والدتها فهتف بتعجب :- بس إزاي دة لقتوها فين ؟
هتف شادي بعملية :- كانت عند خالتها و بابا لقاها هناك .
هز رأسه بعدم اكتراث للتدخل في تفاصيل أكثر قائلاً :- أها أوك الحمد لله أنها بخير و لقتوها .
عند رحيق كانت تود النهوض للقيام بأمر ضروري، فهتفت بحنو للصغيرة :- جوجو حبيبتي روحي لتيتة يلا، أنا هروح فوق ورايا شغل .
هزت الصغيرة رأسها برفض قائلة :- no,no أروح معاكي يا رحيك .
ابتسمت بحنان قائلة :- بصي خليكي هنا وأنا هجبلك حجات حلوة كتير .
أردف شادي بضحك :- يا سلام يا ست رحيك سحرتي للبنت بسرعة كدة لدرجة أنها مش عاوزة تسيبك، شوفت يا عاصم ؟
هتف بابتسامة ودودة :- جوري تعالي هنا يا حبيبتي.
توجهت لوالدها، بينما صعدت الأخرى للأعلى بخفة حتى لا يشعر بها أحد، و ولجت غرفتها و أبدلت ملابسها بسرعة، و بعد أن انتهت توجهت لغرفة شقيقتها ، و وقفت في جانب غير مرئي بحيث لا تراها عندما تخرج، وما هي إلا ثوان حتى خرجت الأخرى ترتدي ملابس سهرة فاضحة، و تسير ببطئ شديد تنظر يميناً و يساراً كاللص حتى نزلت، فأسرعت الأخرى تسير خلفها بحذر حتى لا تشعر به من في المقدمة .
خرجت من الباب الخلفي من خلال المطبخ، ومن ثم أسرعت في مشيها ناحية السور الذي وضعت عنده سلم حديدي حتى يتسنى لها الهروب دون أن يراها الحرس وعندها سيخبرون مراد و سيفشل مخططها حين إذ، بعد أن صعدت قفزت من الجانب الآخر بحذر فهي معتادة على ذلك، و نهضت تنفض هندامها قائلة بضجر :- أوف دي بقت حاجة تخنق، بس كله يهون علشان بسومتي.
سارت للأمام لتقفز خلفها رحيق التي تألم قدمها قليلاً فقالت بعبوس :- اه يا قردة عملتيها إزاي دي ؟ !
استقلت الأولى سيارة أجرة، وفعلت الثانية المثل و أخبرت السائق بأن يتبعها وأن لا تغيب عن مرمى بصره.
استرجعت بذاكرتها قبيل ذلك بقليل حينما كانت تسير صدفة، ولكنها وقفت بصدمة حينما سمعتها تتحدث مع شاب، و قد تواعدا بأن يتقابلا بمنزل أحدهم، فمنذ ذلك الحين ساورها القلق حيال الموضوع، ولهذا هي تسير خلفها الآن و تراقبها .
بعد وقت توقفت السيارة أمام فيلا كبيرة، فترجلت منها و دلفت للداخل بعد أن تأكد الحارس من هويتها، فنزلت الأخرى لتفعل مثلها إلا أن الحارس منعها من الدلوف، فرجعت تجر أذيال الخيبة، ولكنها لم تستسلم حيث أخذت تنظر هنا وهناك إلى أن لمحت سيارة تقف بجوار السور، فسارت بسرعة و أعتلت السيارة بصعوبة، ومن ثم تسلقت السور، و نظرت تحتها لتغلق عينيها وتقفز لتطلق صرخة عالية قائلة بألم :- كان مالي بس يا ربِ ما تروح مطرح ما تروح، اه يا رجلي يا عضمك يا رضا ! أما أقوم أشوف المتسهوكة دي راحت فين وهتعمل إيه ؟
سارت للأمام لتسمع صوت موسيقى صاخبة فتوجهت نحو الصوت، لتُفاجئ من وجود مجموعة من الفتية يتراقصون على أنغام الموسيقى، وكذلك الفتيات اللاتي يرتدين ملابس لا تقل فضاحة عن أختها.
شهقت بصدمة قائلة :- إيه قلة الأدب دي ! العيال دي ملهاش أهل يربوهم ؟
استشاطت غضباً عندما وجدت شيري تجلس بجوار شاب، وذلك الشاب يحاوطها من خصرها يقربها منه، فتوجهت نحوهما كالصاروخ و سحبتها من ذراعها بقوة لتقف قبالتها قائلة بحدة :- إيه اللي بعمليه دة؟
تطلع لها الموجودن بتعجب من تواجد تلك الغريبة بينهم، بينما طالعتها شيري بذهول، ولكنها هتفت بغضب :- وأنتِ مالك و بعدين إيه اللي جابك هنا، أنتِ بتجسسي عليا ؟
أردفت بغضب :- جيت إزاي بنفس الطريقة اللي جيتي بيها هنا، أما بتجسس عليكي دي فأنا مليش دعوة بيكي نهائي بس لما الموضوع يخص بابا و سمعته يبقى لازم أتدخل، قدامي على البيت من سكات .
دفعتها بقوة كادت أن تطرحها أرضاً قائلة بحدة :- أنتِ ملكيش دعوة بيا أنتِ فاهمة ، أنا هخلي الحرس يرموكي برة .
تدخل أحدهم قائلاً بعبث :- مين المزة دي يا شيري، ما تعرفينا ؟
بينما أخذ باسل يطالعها بإعجاب واضح قائلاً بهدوء :- أهدي يا شيري أعصابك يا بيبي، مين دي ؟
أجابته وهي تطالع رحيق باذدراء:- دي اللي قولتلك عليها قبل كدة ..
هز رأسه بتذكر قائلاً :- اه دي أختك ؟
أردفت بانفعال :- متقولش أختي أنت هتعمل زيهم .
هز رأسه بنفي قائلاً بروية :- أوكي أوكي مش أختك بس أهدي وأنا هتصرف .
ربعت يديها قائلة :- لما نشوف يا باسل !
تقدمت رودي منها قائلة بخفوت وهي تمعن النظر في رحيق :- هي دي اللي قولتي عليها ؟
زفرت بضيق قائلة :- أيوة هي، الهانم ماشية ورايا وعرفت مكاني انا خايفة لمراد يجي و تبقى مصيبة .
حدجتها رودي بحقد،فهي تبدو فاتنة على الرغم ما ترتديه من ملابس محتشمة، فشعرت بغل تجاهها خشية أن تؤثر على مراد، فأخذت تفكر في حل للإيقاع بها، وما إن توصلت له، مالا على أذن الأخرى لتخبرها بما يدور بمخيلتها، و سرعان ما ازدادت ابتسامة الأخرى بخبث وهي تهز رأسها بموافقة.
أسرعت شيري تردف بود مزيف :- رحيق بليز ما تقوليش لحد أنا عملت كدة علشان محدش هيرضى يخليني أسهر، هقعد شوية و همشي علطول، روحي وأنا هحصلك.
هزت رأسها بنفي قائلة بإصرار :- لا رجلي على رجلك هنمشي دلوقتي مع بعض، وبعدين إيه اللي أنتِ لابساه دة يا هانم مبين جسمك، لو مش خايفة من أبوكي وأخوكي خافي ربنا .
جزت على أسنانها بغيظ، ولكنها أظهرت عكس ذلك قائلة بهدوء مغاير :- تعالي بس متخافيش، طيب إيه رأيك تستنيني و نمشي سوا، منها أقعد شوية ومنها أقعد قدامك تحت عينك أهو .
أردفت باستسلام :- ماشي لما نشوف أخرتها إيه معاكي، واه متتلزقيش في الواد الملزق دة .
هزت رأسها قائلة بابتسامة مصطنعة :- حاضر يلا أقعدي بقى دة أنا هجبلك عصير انما إيه صنف جديد مجربتهوش قبل كدة .
أتت رودي وهي تحمل أكواب و قدمتها لهن قائلة بابتسامة مزيفة :- اتفضلوا العصير.
تناولت منها الكوب لتتجرعه بنهم، لشعورها بالعطش الشديد، و بعد أن أفرغت الكوب هتفت بتعجب :- العصير دة بيحرق في الزور أوي !
أردفت شيري بخبث وهي تناولها كوباً آخر :- دة عصير كوكتيل جديد خدي اشربي تاني دة حلو أوي .
و بالفعل تناولت منها الكوب لترتشف منه، بينما أخذتا تطالع كل منهما الأخرى وعلى وجههن ابتسامة انتصار لنجاح مخططهم.
على الجانب الآخر ما إن وصلت له الأخبار، نهض يلملم أغراضه بغضب شديد، و يتوعد لهن، وغادر المكان بسرعة قصوى ، وانطلق بسيارته ونيران الغضب تلاحقه . بقلم زكية محمد.