رواية المتحول الوسيم الفصل الحادي عشر 11 بقلم سارة منصور
الفصل الحادى عشر
خرجت مسرعة إلى النادى وهى ترتدي قميص سيف الذي يبدو كالبحر الشاسع تعوم بداخله بجسدها النحيل .
حمدت الله عندما وجدت باقى الفريق يتحدث فيما بينهم فى وضع دائرة ، فأسرعت أكثر حتى خرجت من الباب الرئيسي .
أما الاخر كان ملقى على الارض ، يشعر بالألم بجسده ، وعيناه شاردة فيما رأته من غرابة .
فعندما رأه للمرة الاولى يلعب الكرة فى المتوسط دار الشك حول عقله ، لذا أراد أن يتأكد ، فقام بضربه بقسوة ذلك اليوم أمام الجميع .
نعم تأكد أنه ولد ، لكن ، يوجد شئ بداخله يخبره دائما أنها فتاة .
أما الان يريد ان يكتشف ماحقيقة الشئ الذي رأه ، تنهد وهو يرفع نفسه لكى يقوم من الارض .
فى تلك اللحظة دخل عليه رامي وعيناه جاحظة، يرمقه بنظرات غريبة ، وسيف ينظر اليه طويلا يحاول أن يكتشف أن كان يعرف أم لا .
لكن الضباب يملأ المكان بالغموض فقال سيف وهو يقف على قدميه وهو عرى الصدر .
_ أن تعرف أن إسلام ..
وقفت شفتاه عن الكلام فرفع ببصره الى رامي ليرى عيناه متلهفة لتنصت الى كلماته ، لا يعرف لما اراد أن يخفى ما رأه وأردف مغيرا للموضوع .
_ لو شوفته هقطعه ، ميهمنيش إن كان صحبك ولا لا .
صاد الصمت بينهم للحظات ومن ثم خرج رامي من أمامه بدون كلمه واحدة.
متجها الى غرفة تغير الملابس ، وقف أمام حزانة الملابس الخاصة باسلام ، وقام بفتحها بصعوبة بسبب غلقها المشيد عليها ، ليري حقيبة اسلام بداخلها .
****
أسرعت الى المنزل ، وقلبها يرتجف بجنون تشعر أن الحياة تميل عليها بكل ثقل الايام دفعة واحدة ولا ترحمها بيوم تسترح فيه من كل الآمها .
دخلت الى البيت وهى تشعر بالإرهاق الشديد ، والعرق يملأ جسدها حتى تجمعت الأتربة حول وجهها ، تخفى بياض وحمرة وجنتيها .
صعدت الى غرفتها وهى تنهج بصعوبة على السلم الخشبي ، وتلتقط الهواء بصعوبة حتى يملأ رئتيها ، وما إن وصلت ، وجدت لبني تقف أمامها بعيناها الغاضبة .
_ لبني !!
_ تعرف لما عمى جمعنا أمبارح عشان يقولنا عليك أنا مصدقتش ، أنت ليه كلك مشاكل ، متعيش بهدوء وحل عننا ، مش كفاية سرقت الفلوس وهربت .
ياريت بقي تخرج من هنا ومعتش أشوف خلقتك تانى .
برغم تعبها الشديد حاولت ان تتماسك وترفع ظهرها مستقيما وتقوم بمسح حبات العرق . وتقول
_ دا بيت عمى ، وأعد فيه زى ما أنا عاوزة ، لو بتفكرى يالبني أنك تطرديني زى ما أبوك وأمك عملوا يبقي أنت عايشة فى الوهم ، روحى شوفى مصلحتك إجرى ..
...اااه صحيح ... ولمى جوزك عليك ، مبقتش حباه يجيلي الاوضه كل شوية .
_ إإإيه .....صدقت أمى لما قالت عليك ، عيل ناقص ، بس فعلا ..، خنثي ..لايق عليك .
_ قصدك تقولى بنت ، ولا عقلك غايب عن مخك زى ماغايب عن جوزك .
كزت لبني على أسنانها بالغل ،فاقتربت من ياسمين حتى تعنفها بإمساكها من شعرها ، لكن ياسمين ابتعدت برشاقه عن يدها ، ودفعتها من صدرها لترتمي على الارض وهى تتآوه وتصدر صوت بكاء برعت فى تمثيله .
دخلت ياسمين الى غرفتها وأوصدت الباب بقوة فى وجهه لبني .
كل تلك القوة التى بادت على وجهها ليست سوي قناع ، سريع التلاشي فى صومعتها ليظهر الوجهه الحقيقي لها من بكائها القهرى .
وبعد مرور يومين بدون مغادرة غرفتها ، جاءها أتصال من عيادة الطبيب النفسي ، تخبرها المشرفة أن المعاد هو اليوم .
تنهدت وهى تقوم من الفراش وقد عاد اليها الثقل فى جسدها ، لا تعرف لما ، لكن ، تمنت عندما تذهب الى الطبيب أن تطيب نفسها وتستريح .
وعندما ذهبت الى العيادة ، وجدتها ممتلئة يجلس المرضي فى مقاعدهم الخشبية، والعجيب الذي ثار دهشتها أن العيادة تطل على حديقة خضراء مليئة بزهور الكاسليا التى تفضلها .
يدخلون تلك الحديقة بشرط خلع حذائهم ، والجلوس فى أى مكان سواء على العشب بالأخضر أم تلك المقاعد الخشبية المريحة .
أنتظرت دورها بجانب تلك الزهور ، طوال الوقت تلثم عطرها .
وما إن حان دخولها عند الطبيب ، خطت بخطوات أريحيه فقدمها العارية تمشي على هذا الرخام البارد مما يزيد أنتعاش رئتيها .
جلست أمام الطبيب ، ونظرت اليه طويلا ، كان رجلا شديد البياض ذا وجه حسن طيب الملامح ، بشوش العينان .
_ أخيرا جيتي ياياسمين ، دا الدكتور كامل كل شوية يتصل بيا يعرف أنك جيتي ولا لاء .
_ ااه دكتور كامل هو لسة فكرني .
_ طبعا . المهم ياياسمين أخبارك أيه .
ردت ياسمين على الطبيب ، وقصت عليه كل شئ ، فكان الطبيب معها حكيما فى رده ، دائما يخبرها ان تتمسك بنفسها وأن تتعرف عليها من جديد .
واستمر ذهابها الى الطبيب كل ثلاثة أيام فى الاسبوع ،حتى قال لها فى هذا اليوم .
_ ياسمين ، أعرفِ أنى مجرد طبيب ، بيسمع ليك فقط ، مش بايدى أقدم ليك غير الكلام ، اللى ممكن يساهم فى شخصيتك بنسبة ثلاثين فى المئة ، والسبعين التانين دول هيجوا منك ومن إرادتك ، لازم تبحثي عن نفسك ، وتحبيها ، أنت لحد الأن معرفتيش إذا كنت ياسمين أو إسلام .
أنت بتقوليلي أن مفيش أى تقدم عندك ، بسبب أنك مستسلمة لتعب اللى بيجيلك ، كل دا نفسي ، أنتِ سليمة مفكيش حاجة .
أمالت ياسمين برأسها الى الطبيب إيجابًا وهى تتنهد .
فأردف الطبيب
_ أنا بكلمك زي بنتي ، ان من البداية بعرفك مش هعطيك أى علاج ، لان العلاج دا بينيم بس ، مش هيساهم فى حاجة ، وممكن يقلب بالسلب عليكِ.
بس هعطيكِ علاج روحاني .
دايما أقرئ قرآن عشان روحك تبقى خفيفة ، إصحي بدرى وامشي قدام البحر ، وعنيك دايما تشوف الزهور والشجر.
الحاجات البسيطة دي ، بتقوى روحك أتجاه اى حاجة....
اهو أنا مبخدش منك غير انك تميلي رأسك بس ، وتيجي تقوليلي أنا مبتحسنش .
بصي متنسيش بكرة هيبقي فيه تجمع ، ولازم تيجي . قالها الطبيب مودعًا ياسمين وهى تخرج من العيادة .
****
وفى اليوم التالي
زفرت ياسمين بشدة وهى تنظر الى إتصالات رامي التى لاحصر لها ، فقامت ترتدى ملابسها الرياضية لتشهق وهى تتذكر حقيبتها التى قامت بنسيانها بسبب سيف .
عزمت على الذهاب الى النادى ، وهى تشعر بالخوف من سيف ، وهل أخبر رامي أم لا ؟
لكنها لن تصمت وستجد حل لتلك الأزمة بسبب بعض الحجج التى فكرت بها طويلا .
وما إن لمحت رامي يلعب الكرة ، وينظر اليها بضيق ، فطمئنت من نظراته لها فهى لم تتغير .
فأخبرت نفسها انه لايعلم بأمرها فتنهدت براحة .
_ يلا روح اجرى شوف هتعمل ايه .
_ لا أنا جاهز ، بقولك يارامى ، كنت نسيت شنطتى هنا .
_ مشفتش شنط أبقي أسأل عليها فى المكتب .
أملت ياسمين برأسها إيجابًا، وذهبت لتستعد للعب الكرة .
أستمر التدريب ساعة كاملة ، كلما تنظر ياسمين الى رامي ، ترى الضيق على وجهه ، حتى أنه يلعب بالكرة بعنف .
حاولت أن ترطب الجو قليلا ، فأقتربت منه لتأخذ الكرة ، لم يعطيها لها ، كلما تشير اليه ، لا يستجيب ، فتولد الحماس داخلها للعب ، وأقتربت منه مسرعة لتخطف الكرة ، لكن رامي لم يتركها ، وأسرع حتى أخذها منها بقوة مما ادى الى سقوطها على الارض فلتوت قدمها .
كتمت الصرخة داخلها برغم قوة الوجع ، الذي أدى الى أنفجار عيناها بالدموع .
_ أنا أسف يااسلام ، مكنش قاصدي .
قالها رامي ، لتبسط ياسمين يدها وتدفعه بعيدا عنها بغضب .
وقامت بمفردها من على سطح الملعب بصعوبة رافضة أن تأخذ يد المساعدة .
ولم ترد على رامي الذي أعتذر عدة مرات ،وطلب منها الذهاب إلى الطبيب وظلت ترفض وتخبره أن يبتعد عنها ، فأخذ الفريق راحة لمدة ساعه كامله .
جلست ياسمين فى أرضية الملعب تفرد قدمها أمامها وتنظر اليها شاخصة البصر ، لا تريد أن تجلس معهم حتى لايروا دموعها وشهقاتها التى كانت كالقنبلة على وشك الانفجار ، وأنفجرت فى وقت غير مناسب أبدا ..
وظل رامي يراقبها ويرمقها بنظرات غريبة ، وهو جالسًا على المقاعد الخاصة بالنادي .
تنهدت وحاولت أن تتماسك حتى تكمل بقية اللعب ، وعندما وقفت بصعوبة ، لمحت سيف ينظر اليها من بعيد ، ويمسك كرة قدم ويركلها بأقصي قوته لتتجه اليها .
كانت تتابع الكرة وهى قادمة بسرعة رهيبة اليها ،وقد تركت الدموع أثرا على وجنتيها ، فأغلقت عيناها بسرعة لعدة ثوانى .
لتشعر أنها بين زراع أحدهم ويتآوه ، فتحت عيناها بسرعة ، لترى أنه .... رامى !!!
فقد منع الكرة من الوصول اليها ، لـتأتى مندفعة فى ظهره .
لم ترى عيناه من قبل بهذا القرب ، زيتونية ، بداخلها عسلا رطبا ، تحت رموش كثيفة .
شعرت بالتوتر أكثر من إقترابه ، فقامت بدفعه بعيدا عنها.
لم يعطي لها كلمة واحدة ، وذهب مسرعًا الى أخيه ، يدفعه من صدره العريض ، ليرجع سيف عدة خطوات الى الوراء .
_ أنت كمان عارف ، وأنا بقول أنت مقرب منه كدا ليه دايما . هتف بها سيف بنظرات خبيثة
_ بطل بلطجة وابعد عنه .
_ متحولش تعيش دور الغبي ، عشان عنيك كشفاك .
لمح رامي إقتراب بقية الفريق منهم ، فترك سيف بدون كلمة وابتعد من أمامه .
ليخطوا إلي إسلام ويتذكر ما رأه مؤخرا ، عندما وجد سيف يسرع وراءه منذ أيام، فتابعه خوفا عليه .
ليري عندما يصل إليهما رباطًا ملفوفا حول صدر ه ، وعندما قام اسلام بعض سيف ، وركله ، درا هو الى الخلف متخفيا حتى لايراه اسلام وهو يهرب ويرتدي قميص أخيه ، ولم ينتبه الى مفتاح خزانته الذي سقط منه .
تساءل ما سر هذا الرباط ، فقرر أن يذهب الى الحزانة ليبحث فى محتوياتها ، فلم يجد سوى ملابسه .
_ عاوز أتكلم معك هتف بها رامي لياسمين ، وهى ترمقه بنظرات خائفة تارة ، والى سيف تارة أخرى .
لا تعلم أن بتوترها هذا وارتعاش شفتاها ، يلقى داخله افتراضات غير معقولة .
أنتظرت رامي عدة ساعات وقلبها يرتجف بخوف من أشياء كثيرة تؤرقها مؤخرا.
مالت الشمس الى الغروب ، وأقبل الظلام تحت ضوء البدر، والاضاءة التى بعمود أنارة الملعب تسير الى رأسها.
جلست على الارض حتى أفترشت أرضية الملعب تريح جسدها ، وعندما سمعت صوت خطواته جلست مسرعة تترقبه .
تنهد وهو يجلس على الارض بجانبه ويرجع يديه الى الوراء ، ويرفع بصره الى السماء .
_ عملت إيه بالفلوس اللى أخدتها يا إسلام .
التفتت اليه بوجهها منتبهة له وتقول بتوتر بعد صمت دام عدة ثوانى
_ أيه !!! ... إشتريت حاجة كنت محتاجها ، ليه ؟
_ أشتريت ايه؟ قالها رامي وهو يدير رأسه اليه يتفحص لغه عيناه المتوترة .
أدارت ياسمين وجهها الى الامام بسرعة حتى لا يرى ضعفها الذي سكن عيناها .
_ هقولك فى الوقت المناسب .
_ أتمنى ميكونش حاجه ، تخسرنا بعض .
ازدردت ريقها بصعوبة ، وقد بدأت يديها ترتعش ، فوضعتها على عشب الملعب تمررها ببطئ .وهى تقول .
_ اااه .
أنتفض رامي واقفا بخطوات مسرعة الى نهاية الملعب ، بعد ان اخبره ان ينتظره ، فوقفت ياسمين تتابعه وهو يذهب الى نهاية الملعب .
وعندما رجع وجدته يمسك بكرة قدم ، ويأتى اليها مسرعا . وعندما بقي بينهم عدة خطوات ، قام رامي بركل الكرة الى ياسمين ،متستغلا عدم تركيزها ، فجاءت الكرة فى أسفل بطنها بقوة .
_ ايه يابنى ، مش تاخد بالك وأنا بشوحلك الكرة .
_ مختش بالي .
صدم رامي منه وهو لايرى أنه يشعر بأى ألم ، فالطبيعي أن يشعر مثل الرجال .
ابتلع رامي ريقه وقد تقين ، من بعض الاشياء التى تسمح له بالشك .
صاد الصمت بينهم لدقائق ،حتى قتله بكلمة
_ مراتى اللى كنت بحبها ، وكانت بتحبيني ، زى ماكانت بتقول. سمعتها بتكلم راجل فى الموبايل .
التفتت ياسمين تنظر اليه مرة أخرى بصدمة فنبرته تغيرت الى الحزن .
_ تعرف كانت بتقوله ايه ..
....أنى مش مكفيها ، وأنى وأنى ...
حاجات كتير أوووى يا اسلا...
زفر بشدة وأردف .
_ رميتها فى الشارع ، وطلقتها ..
تعرف العجيب ايه ، أنى أهلى عرفوا ، وعوزين يرجعوها ، اللى قهرني أكتر عاوزين يرجعوها بعد ماعرفوا أنها زورت فى الاختبار الخاص بيا، وقالت أنى مبخلفش .
محدش بص لصدمتى ، كله همه الصفقة بتاعت الشركة ، كانوا مجوزينى ليها عشان المصلحة ، حتى هى قالتها ، بس أنا أتجوزتها عشان بحبها .
أنا بكره الكذب ، وبكره اللى واخدينه كدرع حماية ..
قال رامي كلمته الاخيرة ، لتنتشل ياسمين من الصدمة الى حياتها التى كانت عبارة عن كذبة .
وضعها والدها فيها ، وتركها ، وهى فقط لا تستطيع أن تكشف حقيقتها ، للخوف من ردة الفعل .
فقالت بتوتر
_ الكذب ساعات بيبقي غصب عن الواحد ، يمكن خافت تطلقها لما تعرف أنها مش بتخلف .
_ ومين قالك أنها مش بتخلف .
قالها رامي وهو يتفحص عيناه
فدهشت ياسمين عندما وصل اليها أنها لاتريد أن تحمل منه ، فصمت .. لاتعرف ماذا تقول فى تلك الحالة .
بقت تبحث عن بعض الكلمات ، لكن لاشئ يجول بخاطرها
فأردف رامي وهو يتابع صمته .
_ أنت ايه رايك ، أرجعها ، ولا اطلقها ..
...رد عليا يااسلام ... اطلقها ، ولا أرجعها .
وقفت ياسمين على قدميها وقد شعرت بالآلم فيها ، فوقف رامي مقابلا لها .. وهو يقول .
_ اللى هتقول عليه هنفذه ...
رد عليا متبصليش كدا ..
_ دى حياتك وأنت حر مدخلنيش فيها .
_ ايه ...؟؟؟
رجعت ياسمين الى الوراء وهى تراه ينظر اليها بغرابة ، حتى شعرت بالخوف منه ، نظرت حولها لتجد أن النادى فارغا ، فالتفتت مسرعة تخرج .
لكن رامي أمسكها بيدها وجذبها اليه ، حتى اصبحت بين يديه وفى أحضانه ، حاولت أن تدفعه لكن ، هيهات ..
فكان متمسكًا بها بكامل قوته ، وتخرج منه شهقات بكاء جعلتها تستلم لعناقه فهى كانت الأخرى بحاجة الي ضمة تذكرها بعناق والدتها الدائم لها ..
_ لو فى حاجه ، قولى متخبيش عليا .. إحنا مش أصحاب يأاسلام .
شعرت ياسمين باقتراب وجهه رامي الى رقبتها أكثر فتسلل اليها شعورا غريبا ..
فدفعته من صدره بقوة ، وهربت من أمامه .
***
بدأ يوم جديد محملا بالهموم ، قامت من الفراش لتقف على قدمها ، لتصيح بألم منها .
فقد تورمت كثيرا ، من تأثير الوقعة ، مررت يدها عليها لتشعر بألم أكثر ، وعقلها يذكرها بما حدث البارحة من فعل رامي .
تسألت مع نفسها
_ سيف قاله ... انا حساه عرف ... ولا أنا اللى مكبرة الموضوع ، ممكن اقوله أنه رباط لوجع الظهر .
تنهدت ومن ثم جحظت عيناها ، وهى تتذكر تلك الكرة التى دفعها رامي اليها لتصيب أسفل بطنها ، وضعت يدها على فمها ، وتتذكر أنها لم تبدي أى ردة فعل . فشهقت ، وأقبلت تصيح ...
_ زمانه عرف ...أنا غبية ... ازاى مخدتش بالي ، طول عمرك أصفر يا رامي .
فى تلك اللحظة علا صوت رنين الهاتف ، ينبأ برقم رامي ...
فرجعت على الفراش تتقلب من الخوف والتوتر ..
_ أقوله ... أيه ... فكري ...
زفرت بشدة وقامت بفتح الاتصال ..
_ الو .. نعم ... أأأه ...
_ انت كويس .
عضت على شفتياها وهى تسب نفسها وقالت بسرعه .. مش كويس ابدا .. أنا تعبان جدا ... من كل اللى حصل امبارح .
_ بجد ؟؟
_ ايوة بجد ..
قامت ياسمن بغلق الاتصال ، لتسب كل شئ ، حتى وقفت امام الباب لترى أن اليوم هو يوم الاجتماع عند طبيب النفسي ، وأنها تأخرت ساعتين .
ذهبت وهى تتسأل هل هذا الاجتماع سيترك أثر أيجابي مثل ماقال الطبيب أم لا .
وعندما دخلت الى تلك الغرفة الكبيرة ، وجدت تسع فتيات وشاب يجلسون مقابلا لبعضهم .
أشار اليها الطبيب أن تأتى وتجلس معهم .
يظهر أنها جلسة تعارف .
وكان الدور على هذا الشاب .. فوقف يقول ..
_ أنا هالة عندى عشرين سنة ، طلعت من المدرسة وانا عندى 15 ،
طبعا زمانكم مستغربين منى عشان شكلى زي الولد ، وصوتى مش ناعم زيكم ، بس أنا مريضة باضطراب الشخصية ، ولو محدش يعرفه ، فأنا هقولكم ..
أنا عندى هرمون الذكورة أعلى بكتير من الأنوثة ، برغم أن جسمي بنت واعضائى كلها صحيحة ، الا أن شايفه نفسي ولد مش بنت ، وزي ما أنتو شايفيني أنا خفية نفسي بالبس دا .
وأنا جيت هنا ، عشان عاوزة أتعالج وأعيش طبيعي زي بقيت البنات ، أنا نفسي أخف بجد عشان تعبت، وتعبت من كل الناس اللى ضدي ، ومش عرفين أن دا مش بايدى ، وأن زيادة الهرمونات دا بيبقي عيب خلقي ، كان نفسي أهلى يكونوا معايا هنا عشان يشجعونى ، بس للأسف أهلى أتبروا منى . محتاجة منكم تدعمونى ، عشان أكون كويسة .
كان الجميع ينظر الى تلك الفتاة بعجب ، الا ياسمين كانت تنظر اليها بألم .
وعندما جاء الدور الى ياسمين ، توترت كثيرا ..
وابتلعت ريقها ، وقصت عليهم حياتها بالكامل والدموع تظهر لهم الدليل .
وبعد انتهاء التعرف على كل شخصية منهم
كان كل شخص منهم يخبرهم باموره وحياته المعقدة والاخرين يعطوا لهم حلا ، والطبيب يصفق .
كانت ياسمين تضحك وتبكي مع كل كلمة تخرج من أحدهم ، شعرت أنهم عاشت معهم وشعرت بالآمهم . من جلسة واحدة فقط .
وعندما خرجت من هذا الاجتماع ، وعلمت أن الجميع لديهم فجوة وأن كانت تتفاوت فى أحجامها الا أن الجميع يحزن ويبكي .
وأن السعادة تأتى وتذهب كما الحزن تماما .
كانت ياسمين الأكثر تأثرًا بحاله هالة ، فهى وحيدة مثلها ، تتشابهم ظروفهم .
قصدت ياسمين الموقف الخاص بالحافلة، حتى تذهب الى البيت ، فصعدت الى أخر كرسي، تميل برأسها الى الشباك وتفكر فى كلمات الفتيات لها ، بأنها يجب أن تعطي نفسها فرصة .
فهى تستحق أن تكون فتاة ،وليست كأى فتاة فهى تملك قدرا من الجمال والبراءة فى عيناها تجعل الجميع يعترف بأنها أميرة .
كانت تتابع أشعه الشمس والمارة ، حتى وقفت الحافلة ، لترى فتاة تعرفها جيدًا ولم تنسي ملامحها ، فهى تشبهها ، فقد رأتها منذ عدة سنوات عندما ذهبت مع والدها الى الطبيب .
تذكرت سخرية الشباب من تلك الفتاة ،بأنها تشبه الرجال وانها وان صححت العيب بجسدها ستظل رجلا .
نظرت ياسمين لها عن قرب ، لترى أنها ليست سوي فتاة جميلة رقيقة، رأت أيضا بجانبها رجلا ، وفتى صغيرا .
يظهر أنهم كانوا فى نزهة .
تتابعتهم بعيناها وهم يجلسون فى الحافلة ،وتتابع نظرات هذا الرجل الي تلك الفتاة التى تقطر حبا ، الذي عرفت أنه زوجها من خاتمه الذي يتشابه مع خاتمها .
وعند نزولهم الى الطريق نزلت وراءهم ياسمين ، واستمرت تتابعهم فى الخطى .
حتى شعرت تلك الفتاة بأن ياسمين تتابعها ، فالتفتت تذهب اليها ، فوقفت ياسمين كالرمح تنظر الى تلك الفتاة وهى تأتى اليها .
_ فى حاجة ..
مالت ياسمين رأسها بالنفي
_ أومال ماشية ورانا ليه ..لو سمحتى روحي لحالك .
صمتت ياسمين لدقائق ، ثم ذهبت اليها توقفها .. وتقول بتوتر ...
_ أنا زيك
_ زي ازاى يعني مش فاهمه ..
أخذت الفتاة وقتا وهى تنظر الى عين ياسمين التى تتشابه كثيرا مع عيناها فى الماضى بالحزن والانكسار .
فأردفت ياسمين .
_ عاوز اسالك حاجة واحده بس .
أمالت الفتاة رأسها اليها وهى تبتسم ... فقالت ياسمين .
_ أنت سعيدة ..
ابتسمت الفتاة وقالت و يدها تربت على كتف ياسمين
_ جدا ...
...أنا معرفتش السعادة غير لما وجهت كل اللى حوليا بحقيقتي ، وحسيت بيها أكثر لما أديت فرصة لنفسي وحبتها ..
... أحفرى حياتك وشكليها بالطريقة اللى أنت عوزاها ، لان لو سكتى هتتشكل غلط ، وهتندمى .
هتندمي على عمرك اللى ضاع ،...و على فكرة اللى واقف هناك دا جوزى رجل اعمال كبير ، ودا ابني ..
وصلت الي ياسمين لغة عين الفتاة وتشجيعها لها .
بأنها أنسانه مثل كل البشر ، وعليها أن تتقبل ماضيها بكل مافيه وترسم حاضرها ومستقبلها بيدها .
***
ذهبت ياسمين الى البيت وجلست بغرفتها صامتة ، تنظر الى السقف .
حتى جاءها عمها ناجي يخبرها أنه أنتهى من كافة الامور ، وان كان سيتأخر كتابة أنثي فى بطاقتها الشخصية ، إلا أن فى يوم من الايام سيكتب .
وأعطاها ورقة مغلفة تظهر بها هويتها وأنها أنثي ،بديلة عن بطاقتها الشخصية .
وأخبرها عن بدأ الدراسة فى الجامعة فى الغد ، لم تشعر بنفسها وهى تخبره أنها ستذهب .
ربت العم على كتفيها وهو يكتم دموعه الثأئره .
وخرج مسرعا ..
بقت طوال الليل تفكر وتفكر ، حتى قامت من الفراش .. وهى تقول
_ أنا عاوزة أعيش ، عاوزة... أتجوز ،... وأخلف .
...أنا ..أنا عاوز أفرح ...
وفى الصباح الباكر
ذهبت مسرعة الى صالون التجميل الخاص بالنساء ، واخبرت مصففة الشعر وهى تشير الى صورة العارضة
_عاوزة الاستايل دا .......
... واصبغيه كله أحمر ...
وبعد أن قامت المصففة بتجهيزها ، نظرت الى المرآة بعدم تصديق ...
فقالت مصففة الشعر
_ انت حلوة اوى ... والاجمل ان جمالك طبيعي من النوع البريئ ..
ضحكت ياسمين بعفوية .. فكانت تلك الكلمات البسيطة تزيد حماسها أكثر .
...
أخبرتها المصففة بالمبلغ المستحق فقالت
_ ٥٠٠ جنية ....... عشان صبغته بس ،... طب انا هاروح اجبلك الباقي ... وارجعلك .
قامت العاملة الخاصة بالحساب بأخذ ساعتها كرهان ..
وذهبت ياسمين الى البيت ، تبحث عن حقيبة المال كثيرا فلم تجد اى شئ ..
سمعت صوت خطوات تقترب من الغرفة ...وفجأة فتح باب الغرفة ...
_ كنت فين ....
التفتت اليه بشعرها الاحمر القصير ، ليزيد وهج عيناها الزرقاء مع حمرة خديها ...
نظر اليها طويلا وهو يعض على شفتاه ...ويردف
.... لو شوفتك تروحي النادي ، يبقي اعرفي انه اخر يوم فى عمرك هتخرجي من البيت .
واية اللون التيتت دا ...
هتف بها صاحب العينان الرمادية اللامعة تحت ضوء الغرفة الخافت وهو ويقترب منها ....
...يتبع...