أخر الاخبار

رواية قسوة اب كاملة بقلم ايمان كمال

رواية قسوة اب كاملة بقلم ايمان كمال



جزء الاول


سطعت الشمس فملئت الكون بضياءها لتنير الدنيا تعلن يوم جديد مشرق على الجميع، يجلس "باسم" أمام شاطئ البحر يستمتع بنسمات الهواء العليل، وبيده يقرأ دوره في الرواية الجديدة ليقوم بتجسيده، لم يشعر بروحه التي غاصت بداخل أعماق أوراقه بأن وجد نفسه بالفعل بطل هذه الرواية، كأن الكاتب كان يعلم بمعاناته مع والده، كأنه كان يشاهد ويوصف مدى قسوتة التي بدون سبب يعلمه تجعله يعامله بهذه الطريقه، لم ينتبه لأصوات الأمواج العاليه المتلاطمه التي تشاركه في حزنه، كأنها تصرخ بدلاً منه؛ أعتراضاً على ما يشعر به، لكن ما فائدة الصراخ والقلب مازال ينزف ألماً ولم يجد من يطيب جروحه.
أستمر في القراءة لوقت طويل، حتى وقف عند مشهد جعله لم يتمالك نفسه، وتساقطت زخرات المطر من عيناه؛ حين تذكر جلوسه ارضاً عاري الجسد، ووالده يقف أمامه بكل جبروت، وغضب، عيناه يتطاير منها الشرار يحرق كل شئ حوله، وهو طفل صغير لا يتعدي خمسه عشر عاماً منكمش، مرتعش من الخوف وهو يرى والده ينزع حزامه بكل عنف وينهال عليه ضرب على جسده الضعيف بكل قسوة، بدون رحمه منه، وما الذي اجترفه طفل في سن المراهقة ليستحق عليه كل هذا العقاب؟ الا لمجرد أنه رآه يعاكس أحدى الفتيات، كأي شاب صغير في سنه؛ هل يستحق كل هذا؟ الا يحق له أن يتحدث معه بهدوء، ويعلمه الصح من الخطأ !، ولكن مافعله معه جعله يخشى الجنس الآخر، يخشى التقرب منهن جميعاً، حتى بعد ما وصل إليه من نجاح، وشهرة في مجال التمثيل، وجميعهن يحاولن التودد له؛ لكنه أغلق على قلبه بمفتاح من حديد، وقذفه في أعماق جروحه التي مازالت تتألم وتنزف مهما طال العمر، مع تذكره لهذه الحادثه المتشابهه معه، جعلته يضم جسده، ويربت عليه، كأنه يحاول أن يداوي هذا الإحساس الأليم الذي شعر به، بنفس الاحساس كأنه يجلده الآن، أغمض عيناه، وترك أوراقه، ورجع رأسه للخلف، محاولا ان يسترخى، ويهدي عقله عن التفكير، فهذه الرواية قلبت أوجاعه وجعلتها كحمم بركانيه لا تهدأ، حاول جاهداً تنظيم أنفاسه بأن يعد من رقم واحد إلى عشر بهدوء؛ لكنه فشل بشده، فقد هاجمته الذكريات بطريقه وحشية، كأسد جائع منذ مده ووجد اخيراً فريسه أمامه ضعيفه، فالتهمها بدون رحمه أو شفقه، ينهش بها حتى شبع، ولم يكتفي بل استمر يمزق وينزعها من جلدها، متلذذ بما يفعله، كما كان يفعل والده معه، يتلذذ بعذابه والامه، وصوت نحيبه الذي يصل لعنان السماء.
فكان هناك تساؤلات كثيره دائما ما تدور في ذهنه، ولا يجد لها أجابه بعد كل هذا العمر الذي مضى، لماذا هو كذلك؟ لماذا في قلبه كل هذه القسوة؟ لماذا لم يجد منه يوماً معامله حسنة؟ لماذا لم يشفق عليه ويعلم أنه لا حول له ولا قوة، فلماذا يستغل قوته بهذه القسوة عليه؟
لماذا، لماذا،،،،،،
كادت رأسه أن تنفجر من شدة الغليان، والغضب اعتدل من مجلسه، ونهض ليسير على الشاطئ ظناً منه أن يقذف كل همومه بداخله، يترك لصاحب الأمر ربه، ان يأخذ حقه منه.
**********
في مكان آخر في إحدى البيوت البسيطة في حي شعبي يرقد "رؤوف"(اسم على غير مسمى؛ فقد كان لم يحمل في قلبه، واسمه اي رأفه بكل المحطيين به) على فراشه والمرض تمكن منه منذ زمن بعد رحيل كل الأحباب؛ زوجتة التي أصابها القلب من كثرة تحمل ظلمه وسوء معاملته لابنه الوحيد، فلم يتحمل ما يراه وهي واقفه مقيدة اليدين، عاجزة عن الدفاع عنه، فكم حاولت لكنها فشلت؛ فكبتت كل أحزانها في قلبها، حتى هلك هذا القلب الحزين من كثر ما حملته عليه من أحزان وآلام، حينها لم يتحمل "باسم" صدمة وفاتها؛ حمل والده سبب موتها، وما وصل إليه من شخص غير متزن نفسياً، تركه وتحمل مسئولية نفسه كما كان متحملها منذ صغره، وشق طريق الفن، بموهبته وملامح وجه التي تتسم بالحزن الذي يسكن في عيناه طوال الوقت ولا أحد يعلم سببه غير هاتان العينان التي أبكت من الدموع تملئ أنهاراً.
نادى "رؤوف" جاره بصوت واهن يترجاه أن يصل لابنه حتى يراه للمره الاخيرة قبل أن تزهق روحه إلى بارئها، حتى يطلب منه الصفح والغفران، لكن مع كل آسف لا أحد يعلم رقم هاتفه؛ وكيفيه التواصل معه من بين الحاضرين، لكن صاح طفل صغير وقال :
- أنا ممكن أعرف يا أبويا، الواد "بندق" اللي شغال في السايبر على أول الشارع، ممكن اروحله ويدخل على صفحته في الفيس ويبعتله رساله، ولا يعرف حتى عنوان بيته.
رد والده بحماس :
- عفارم عليك ياواد يا"شطا"، شاطر ياواد وناصح زي ابوك، أجري بقى فريره ونفذ اللي قولت عليه، وهاتلي عنوان بيته، وليك عندي ورقة بخمسين جنيه.

ركض مهرولا وكله حماس وعزم على فعل اي شئ حتى يفوز بالخمسون جنيهات، وصل وحاول كثيراً مع صديقه للوصول إليه، وبعد محاولات عده تم التوصل إلى صفحته، وبعث رساله له على الخاص، يقول مضمونها بأن والده يريد مقابلته، وهو على فراش الموت، واخذ عنوانه الذي كان مكتوباً ليس مفصلا، وتوجهه إلى والده في محله الجزارة البسيط، واعطى له العنوان، تبسم له والده، واعطى ما وعده له، وعزم على الوصول له، حتى ينفذ ما طلبه جاره المريض.
***********
كان يسير "باسم" وطوال سيره شريط ذكرياته أمام عيناه؛ كأن الزمن أحيا من جديد ويعيش أحداثه للمره الثانيه؛ وجع قلبه وبكى مثل الأطفال حين تذكره لأمه صاحبة القلب الطيب، التي عانت مع والده، كان يرى الحزن والدموع تملئ مقلتيها، حزناً عليه وعلى حاله، فقد كانت تتسلل ليلاً إليه تحاول أطعامه خلسه من زوجها، وتأخذه في أحضانها ويبكيان سوياً حتى يغفو في حضنها الحنون؛ الذي فقده منذ رحيلها، وفقد معه معنى الحب والأمان الذي كان متمثل في هذه المرأه الضعيفه الحانيه، لم ينتبه للحسناء التي كانت تراقبه منذ اول ما آتى وجلس على الشاطئ، فهي العاشقه الهائمه به، وتحلم أن تتكلم معه، وتقترب منه، فهي على علم بأنه لايتحدث مع المعجبات، فهو دائماً منغلق على نفسه، لكنها قررت أن تقترب وتحاول معه ربما يسمح لها وتفوز بقربه ولو دقائق تحسب من الزمن، وتحتفظ بها في ذاكرتها، تقدمت بتوتر شديد وأرتباك هامسه بحروف إسمه مردده :
- صباح الخير يا أستاذ باسم.
ينظر لها بدون رد، ويكمل في سيره، بدون أن يتحدث معها.
- شكل حضرتك جاي هنا في استجمام، تسمحلي اتمشى معاك، وانول الشرف ده، أنا من أشد المعجبين بفنك، وموهبتك، كان نفسي أشوفك جدا من زمان، جوايا سؤال نفسي اسأله، ليه كمية الحزن اللي في عيونك دي، فيها شجن رهيب، هل ده طبيعي ولا أنت بتستغله وبتمثل بيه؟

رد عليه وهو ناظر امامه، وبدون إهتمام قال:

- والله الشاطئ كبير، وممكن تمشي زي ما انتي عايزه، واجابة سؤالك دي حاجة شخصيه محبش أتكلم فيها، عن إذنك.

حاولت أن تخفف من احراجها، وادعت الضحك والفكاهه معه مردده:

- هو إذا حضرتك الشياطين، ذهبت الملايكه ولا أية؟
تأفف من تطفلها واقتحامها له، ثم رد:

- ياستي لا شياطين ولا ملايكه، أنا بحب أكون لوحدي مش أكتر.

تركها وانصرف يجمع أوراقه، وأشياءه الخاصه، دون أن يتفوه بأي كلام معها، وظلت هي واقفه تتأمل هذا الجبل الجليد، الذي يتقمصه، ثم تنهدت وتوعدت أن تقتحم هذا الجليد لجعله ينصهر من شدة حرارة اشتياقها وشغفها به.
*************
وصل إلى الشاله الخاص به، اخذ حماماً بارداً حتى تبرد نيران ذكرياته وتخمد، وأثناء ذلك لا يعرف لماذا آتت صوره هذه الحسناء أمام عيناه، وطريقه كلامها، وسؤالها الذي أثار حيرتها، وحيرة الجميع عن سبب حزنه والشجن الذي بداخله، ولم يعلم الجميع بأن الحزن والوجع أصبحا ملازمناه طوال الوقت لا يستطيع الفرار منهما.
أنهى حمامه وارتدى ملابسه، وتناول القليل من الطعام، وأكمل قراءة الرواية.
***************
مر يومان ويحاول الجار الوصول للعنوان الغير واضح بالكامل، حتى وصل إليه وعلم أنه يقضي وقت في شاليه الخاص به، ترجى حارس فيلته أن يأخذ رقم هاتفه لكنه آبى بشده، لكن حين علم السبب وعده أن يهاتف مدير أعماله ويبلغه بنفسه، شكره واخذ هاتفه ليعرف هل بلغه ام لا.
****************
مازال "باسم" منهمك في القراءة، فاصلا عن العالم بكل احاسيسه بداخل اوراقه، متقمصاً الدور الذي خطفه من اول حرف قرأه، فجعله يوافق عليه دون التفكير في المكسب المادي، فقد شعر ان هذا الدور يقص حكايته لذا قرر اداءه؛ وإذا فجأة رنين الهاتف جعله يخرج من حالته ويعود إلى أرض الواقع من جديد، نظر إليه فوجده مدير أعماله "مخلص" :

- أيوة يافصيل عايز اية مني؟
- آسف يا استاذ باسم، بس الأمر ضروري عشان كده كلمت حضرتك.
- أخلص يامخلص، في أية من غير مقدمات؟
- في واحد جه وسأل على حضرتك، ووصى الأمن ضروري أنك تروح تلحق والدك لأنة تعبان جدا ومحتاج يشوفك لآخر مرة.

ظل صامتاً بدون رد، فمفاجأة عقدت لسانه وجعلته غير قادراً على التحدث، أيعقل أن يريده بعد ما مضى من سنوات طويلة في بعاد وهجران منه، ولم يحاول البحث عنه، وبعد ذلك حين أصبح مشهوراً يريد رؤيته، فاق على سماع صوت مخلص يقول :

- أستاذ باسم أنت معايا؟
- أيوة معاك، شكراً يامخلص سلام دلوقتي وبعدين نتكلم.
- طب لو الراجل اتكلم تاني، أقول إيه للأمن ده كل شوية يتصل بيه؟
- مش وقته دلوقتي يامخلص سبني من فضلك، خليه يقوله ربنا يسهل.

وأنهى معه، وبداخله مشاعر متضاربه لا يعلم سببها، جاهد عقله بأن يتذكر له أي موقف يجعل قلبه يحن عليه لم يجد في شريط ذكرياته غير القسوة، والألم، الإهانة، لكنه كان يريد معرفة سؤال واحد يدور في ذهنه ويريد إجابه عليه، لماذا لايحبه، ولم يذق منه غير القسوة؟
فعزم على النهوض والذهاب إليه حتى يرتاح من التفكير.
اخذ مفاتيح سيارته، وجلس على المقعد، وادار المحرك السيارة لكنها لم تتحرك، تأفف بشده فهو في حاجة ضرورية للذهاب وليس أمامه وقت لاي شئ يعطله، كانت تراقبه "حسناء" فقتربت منه مردده :
- أنا ممكن أوصل حضرتك لأي مكان يا استاذ باسم.
- شكراً.
- مفيش شكر ولا حاجة أنا رايحه شركة والدي اجبله ورق مهم، يعني مش هوصلك مخصوص.
- مش عايز أتعبك.
- مفيش تعب ولا حاجة، ده يحصلي الشرف، ولما ترجع نبقى نشوف ميكانيكي يشوف العربية.

أغلق السياره، وتوجه معها في سيارتها انقاذاً للموقف، وبداخله متعجباً؛ لماذا هذه الفتاة بالتحديد الذي سمح لها أن تقتحمه بهذه الطريقة؟
ظل صامتاً طوال الطريق، كانت تختلس النظرات إليه وقلبها يتراقص سعاده بأن من تعشقه بجوارها حتى لو كان صامتاً، حاولت تكسر هذا الصمت وقامت بتشغيل أغنية علها تصل إلى قلبه المتحجر فكانت كلماتها تقول :
حيرت قلبي معاك وانا بداري واخبي
قولي اعمل إيه وياك ولا أعمل إيه ويا قلبي
بدي أشكيلك من نار حبي بدي أحكيلك علّي في قلبي
وأقولك عالّي سهرني وأقول لك عالّي بكاني
وأصورلك ضنى روحي وعزة نفسي منعاني.

كانت ناظرة له بعيناي تلمع من شدة الحب، كأنها تقول له ياقاسي القلب أشعر بما أعانيه في حبك، الا يحن هذا الفؤاد ويدق لي ولو لمرة واحده؟
تسارعت دقات قلبه الحزين وهو ناظر لها وشعر بما تريد ان تقوله شفتاها، لكن القلب والروح بداخلهما من الأحزان ما يجعلناه لا يستطيع أن يفتح لها باب قلبه، فعليه أن يداوي هذا القلب من الحزن الساكن بداخله، ثم يفتح لها ويسكنها بداخله.
لمعت سحابة من الدموع داخل مقلتيها، حاولت ان تحبسها وتقيدها، أسرع بالحديث قائلا :

- أنتي ليه مستعجله كده دايماً؟ صديقني أنا ظروفي صعبه جداً، واللي جوة قلبي محدش يقدر يتحمله، بلاش تستعجلني احنا لسه منعرفش بعض غير امبارح، أنا حتى معرفش اسمك ايه؟
- استعجل ! أنا بقالي سنين صابرة، ومستحمله... سنين نفسي اشوفك واكلمك، واقرب منك، أنت متعرفش أنت اية بالنسبه ليا، أنت الدنيا كلها، واسمي حسناء اللي دابت من حبها وأنت مش عايز تديها أي فرصة.
- أنتي متعرفيش عني حاجة ؟ ولا أنا أعرف عنك اي حاجة ولا حتى إسمك غير دلوقتي ، إزاي عايزة تقربي مني بالسهولة دي، ابعدي عني يابنت الحلال، وسبيني في حالي اريحلك.
- أنا راحتي معاك، لو قولتلي ارمي نفسك في النار هرمي وأنا راضيه، ليه مش عايز تقدر مشاعري؟

تنهد وشعر بمرارة في حلقه حاول ابتلاعها لكنها أبت ان تزول، وعذاب لم يشعر به سواه، ثم قال كلامه بحده، وبنبره حزينه :

- عشان أنا مشاعري ماتت من زمان أوي، وعمرها ما هتتولد تاني، لأن اللي بيموت مش بيصحى تاني، وأنا راضي بحياتي كده ومبسوط، فبلاش تحاولي عشان متتعبيش.

لامست يداها بحنان، وعيناها تترجاه أن يسمح لها بالاقتراب منه، ومن اقتحام حصونه المنيعه، ثم قالت بألم:

- لو قولت كده وأكتر مليون مره؛ عمري ما هتنازل عنك، وعن محاولتي في القرب منك، اديني أنت بس فرصة وتأكد إنك مش هتندم، ياحلم عمري كله.

نظر أمامه وبداخله مشاعر واحاسيس متداخله قلبه يحسه بصدق مشاعره، وعقله يحسه بالبعد عن الجنس الآخر، وكفى ما تعرض له بسبب خطأ لا يذكر، وظل الصمت سائد بينهم حتى وصل إلى فيلته، نظر لها وشكرها، وطلبت أن تتنظره ليعود معها لكنه رفض؛ وبرر أنه لا يعلم متى سوف يعاود هناك، وتركته وأستقلت سيارتها، وعند هذه اللحظة لم تتمالك نفسها واباحت لدموعها بالانطلاق، فقد كانت وابل من القطرات الضخمه المتساقطه بكثرة تروي الأرض من شدتها، فتنبت النباتات، بقت على حالتها، حتى وصلت لشركة والدها، جففت وجهها، وصعدت واخذت الأوراق الهامه من خزينة مكتبه، ثم توجهت إليه لتقدمها له؛ وطوال ساعات السفر تتذكر رحلتها معه، وعقلها اصابه الجنون من عدم اتاحتها فرصه لتتقرب منه.

وإلى هنا تنتهي احداثنا من الجزء الاول، عند هذا الحد لنتعرف غدا ماذا سوف يحدث بعد ذلك وهل سيتوجه لوالده، ام سيغير رأيه؟ وماذا سيحدث من مفاجأت صادمه هناك؟
انتظروني في الجزء الثاني غداً

سيب تعليق علشان يوصلك الجزء الثاني 
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close