رواية وقعت في قبضة الوحش كاملة بقلم رولا هاني
الفصل الأول من رواية:وقعت في قبضة الوحش
بقلم:رولا هاني
"ربما تكون الحياة هي الرابط الوحيد بيننا و لذلك أنا تركتها.. نعم أنا تركت الحياة! "
-بجد أنا مش مصدقة حد بيعمل عشان حد كدة..!
قالتها تلك الفتاة ذات الخصلات الذهبية و الدموع تترقرق بعينيها لتجد رد صديقتها البارد و هي ترتشف عدة رشفات متتالية من فنجان قهوتها:
-أة في..الأغبية بس
عبست ملامح الفتاة الأخري لتجيبها بحنقٍ ظهر علي ملامح وجهها المنزعجة:
-انا بجد يا "نورسين" مش قادرة أصدقك معقول متأثرتيش خالص بالموضوع مع إنك كنتي أقرب واحدة ليه!
ردت عليها "نورسين" بحدة و الإهتياج يسيطر عليها:
أتأثر بإية يا "هايدي"!؟.. أتأثر بواحدة غبية عشان حتة حيوان خانها راحت لأسهل حاجة و هي الموت و ياريته حتي بعد ما ماتت زعل ولا اتأثر البيه في التحقيق مافيش أي حاجة علي وشه بتقول إنه حتي حزين و إنتِ تقوليلي أتأثر!
هدأتها " هايدي" بإشارة من كفيها بينما "نورسين" كانت بعالمٍ أخر لتتذكر ذلك الحادث الذي كتبت عنه بجريدة اليوم عن تلك المرأة التي خانها زوجها فلم تتحمل الصدمة بسبب حبها الشديد له.. لذا و بدون تفكير إختارت الإنتحار لتكتب رسالة صغيرة قبل أن تموت و قد كان محتواها.. (لم أتحمل رؤيتك مع أُخري،سامحني علي ما سأفعله.. ربما تكون الحياة هي الرابط الوحيد بيننا و لذلك أنا تركتها.. نعم أنا تركت الحياة!)
و كانت "هايدي" بتلك اللحظة تعبث بهاتفها بمللٍ حتي أطلقت صفير عالٍ يدل علي إعجابها بما رأته فسألتها "نورسين" بإستهزاء و هي تشعل سيجارتها بتمهلٍ:
-إية عجبك أوي كدة!
ردت عليها "هايدي" بنبرة خافتة بسبب حالة الشرود التي تسيطر عليها:
-تسمعي عن "زياد النويري"؟
نفثت دخان سيارتها و هي تتسائل بترقبٍ:
-مين "زياد النويري" دة!؟
عقدت "هايدي" حاجبيها لتهتف بإستهجان و هي تعقد ساعديها أمام صدرها:
-مش عيب عليكي تبقي صحفية كبيرة و متبقيش عارفة" زياد النويري" من أكبر رجال الأعمال!
أنهت فنجان قهوتها و هي ترمقها بنظرات مبهمة لا تبشر بالخير بينما عادت "هايدي" للإهتمام بهاتفها..!
______________________________________
دثرت نفسها بالغطاء جيدًا و هي ترمقه بنظرات لعوب مراقبة إياه و هو يمشط خصلاته الكثيفة البنية فقالت بنبرة رقيقة مزيفة و هي تهز كتفها ببطئ:
-هجيلك تاني إمتي يا "زياد" باشا؟
نظر لصورتها المنعكسة من خلال المرآة ليجيبها بقتامة أرعبتها و جعلتها تصمت:
-لما أبقي أعوزك هبقي أكلمك.
اومأت له ثم سيطرت عليها حالة من الشرود لتراودها مجددًا أفكارها الشيطانية للإيقاع به ليبقي بين يديها..هو و ثروته التي لا تحلم إلا بها!
و لكن ما قطع حبل أفكارها صوته الحاد عندما قال و نظراته المشمئزة ترمقها بإحتقارٍ واضحٍ:
-قومي ألبسي هدومك،عايز أرجع مشوفش وشك هنا.
ثم غادر المكان لتدمدم هي بخفوتٍ و نيران من الغل تشتعل بصدرها:
-لسانه بينقط سم،بس بردو مش هسيبه.
ثم نهضت من علي الفراش لتلتقط ملابسها لترتديهم سريعًا لتغادر المكان.
______________________________________
جففت خصلاتها البنية المموجة لترتدي منامتها السوداء ثم إتجهت للفراش لتتمدد عليه مستعدة للنوم و لكن إنشغل تفكيرها بعملها و راودها أفكار تصيبها بالضيق حول الحوادث المملة التي تنشرها،و فجأة مر ببالهم حديث صديقتها عن رجل الأعمال ذلك فزفرت بإستياء و هي تنهض من علي فراشها قائلة بتأفف لتتجه ناحية الحاسوب:
-يمكن ينفعنا بحاجة.
فتحت الحاسوب لتبدأ بالبحث عن إسمه و هي تتفحص الساعة التي أصبحت الثانية صباحًا فتنهدت بعدم إهتمام و هي ترمق نتائج البحث بخبثٍ فها هي تتعرف علي فريستها..أو كما تظن!
أخذت تعرف معلومات بسيطة عنه حتي مر أمامها ذلك الخبر العجيب عنه فأخذت تقرأه عدة مرات بصوت مسموع:
-"زياد النويري" رجل أعمال أم تاجر مخدرات!؟
عقدت حاجبيها لتقرأ بذلك الموضوع و قد كان محتواه حول عمل "زياد" بالتفصيل الممل و بعض عمليات بيع المخدرات التي يظن البعض إنها تخصه و لكن لم يستطع أو يجرؤ أي أحد علي إثبات ذلك!
إبتسمت بمكرٍ لتهمس بنبرة تشبه فحيح الأفعي:
-شكلنا هنشتغل الفترة الجاية دي يا..يا "زياد" يا "نويري".
و لكن أكثر ما لفت نظرها هو من كتب الموضوع و قد كان صديقها الصحفي "إسماعيل" فتنهدت بفرحٍ و هي تري كل شئ شديد السهولة و هي لا تعرف إنها بتلك الطريقة ستفتح أبواب الجحيم بوجهها!
نهضت من علي كرسيها لتتجه ناحية حقيبتها التي وضعتها علي الكومود حيث يوجد بها هاتفها و لكن أعاق حركتها قميصها الذي ألقته بإهمال علي الأرضية بعدما خلعته فوقعت علي وجهها بقوة،تأوهت بغيظٍ و هي تسب بسباب لاذع و مع ذلك وقفت متجاهلة ألم ذراعها القوي لتلتقط حقيبتها الجلدية لتأخذ منها الهاتف ضاغطة عليه عدة ضغطات قبل أن تضعه علي أذنها.
بعد عدة ثوان أتاها صوته الناعس و هو يقول بقلقٍ:
-خير يا أنسة "نورسين"!؟
ردت عليه بلامبالاة لصوته الناعس قائلة بإهتمامٍ:
-بقولك يا "إسماعيل" كنت عايزاك في موضوع كدة.
وجدته يقول بإستخفافٍ و قد غلف نبرة صوته السخرية:
-موضوع الساعة إتنين أصُبح!
لوت شفتيها بتهكمٍ لتصيح بنبرة حادة لا تتحمل النقاش:
-لا بقولك إية يا " إسماعيل" دة أنا اللي بمشيلك نص شغلك فمتخنقنيش و إسمعني.
أتاها رده المرتبك ليقول:
-خلاص خلاص في إية؟
ردت عليه بنبرة ثابتة و هي تتنهد بحماسٍ:
-تعرف واحد كدة بيقولوا عليه رجل أعمال إسمه "زياد النويري"
أصابتها حالة من الذهول عندما وجدت صوته المرتجف يجيبها برعبٍ:
-ماله في إية!؟.. حصل حاجة!؟
بالرغم من دهشتها إلا إنها لم تهتم كل ما تهتم به هو جمع أكبر قدر من المعلومات حول فريستها:
-إنتَ كنت كاتب عنه موضوع كدة ف أنا كنت عايزة أعرف معلومات عنه و كدة.
أبعدت الهاتف قليلًا عن أذنها عندما وجدته يصرخ خائفًا بصورة جعلتها مشدوهة:
-بلاش يا "نورسين" دة مبيرحمش دة أنا عشان لمحت بس لشغله اللي مش مظبوط كانوا عيالي هيكونوا التمن.
زفرت بإحتقان فصاحت بهدوء مصطنع:
-طب خلاص إديني بس عنوان شركته و ملكش دعوة بالباقي.
إلتقطت ورقة و قلم لتدون بهما عنوان شركة ذلك ال "زياد" ثم أغلقت الخط بدون مقدمات هامسة بنبرة شيطانية لا تليق إلا بها:
-و من هنا نبتدي.
____________________________________________
-يا باشا أبوس رجلك أنا عندي بنت عايزة أربيها.
قالتها تلك المرأة و هي تنتحب بإستعطافٍ بالرغم من مصيرها المحتوم إلا إنها أخذت تحاول خاصة عندما إقتربت منه لتحاول إلتقاط يده مقبلة إياها و لكنه إبتعد قليلًا ليصيح بتهكمٍ ساخرًا:
-مينفعش يا "سهيلة" ما إنتي عارفة مبحبش الخيانة!
لطمت علي صدغيها صارخة بتوسلٍ:
-أبوس إيدك بنتي لسة مكملتش الخمس سنين.
صفعها بقوة جعلتها تترنح في وقتها بالإضافة إلي أنفها الذي نزف بغزارة،إرتجفت بإرتعابٍ عندما صرخ بوجهها قائلًا بنبرته الشيطانية التي بثت الرعب لقلبها المذعور:
-و مفكرتيش في بنتك لية لما روحتي تبيعني للكلب اللي إسمه "أسامة"!
هزت رأسها بهستيرية هاتفة برجاء غير مهتمة للدوار الذي لاحقها كظلها أثرًا لصفعته القوية:
-غلطة،غلطة يا "زياد" بيه و مش هتتكرر تاني.
حول نظراته ناحية حراسه قائلًا بنبرته الغامضة المعهودة لتصرخ المرأة بيأس:
-خدوها دلوقت و بكرة هبقي أقولكم تعملوا فيها إية.
تابعهم و هم يأخذونها خارج ذلك المصنع المهجور و نظراته متلذذة بما يحدث بالإضافة إلي ذلك الوميض الذي كان يشع من بنيتيه القاتمتين لإنه يعلم أصعب عقاب يمر به المرء هو الإنتظار.. إنتظار العقاب..!
______________________________________
صباح يوم جديد.
فتحت جفنيها ببطئ لتتنهد بضيقٍ نعم فسوف يكون اليوم شاق و متعب و لكن لإجل عملها ستفعل كل شئ،ليس لديها سواه، والدتها توفت منذ عامين و والدها تركهم منذ عدة سنوات و تزوج إمرأة أُخري فلا تعرف عنه شئ و ليس لديها أصدقاء سوي "هايدي" و بالرغم من ذلك فهي لا تثق بها!.. هي لا تثق بأحد من الأساس!.. لذا فهي لا تملك سوي عملها ذلك هو الشئ الوحيد الذي تسعي لتنجح به لذا فهي لا تمانع في فعل أي شئ يعرضها للخطورة لتحقق ما تريده بالعمل!
نهضت من علي فراشها ببطئ و هي تزفر بإرهاقٍ فهي لم تنم جيدًا تلك الليلة من فرط التفكير،إتجهت للمرحاض بخطوات متئدة لتنعم بحمام دافئ جعلها تستفيق قليلًا و بالطبع لم تنسي فنجان قهوتها.
إختارت ملابس قاتمة عبارة عن قميص رمادي و بنطال أسود و سترة سوداء ثم أخذت تلك القبعة الرمادية لترتديها و قد كانت تخفي معظم وجهها، و إرتدت حذاء رياضي أبيض، ثم و بخطوات ثابتة خرجت من المنزل لتبدأ لذلك اليوم الذي سيغير حياتها بأكملها!
______________________________________
جلست "هايدي" علي ذلك الكرسي و هي تتمتم بعصبية:
-لازم الزفت "إسماعيل" دة يعني يقابلني أًصبح بدري كدة!
و فجأة وجدته يتقدم نحوها فسألته بدون مقدمات و هي تنظر لساعتها بغرورٍ:
-ياريت تقول عايز إية بسرعة عشان ورايا حاجات مهمة.
رد هو الأخر بنفس طريقتها بدون مقدمات و هو يلهث بعنفٍ أثرًا لقدومه راكضًا:
-"نورسين" في خطر.
صرخت مستنكرة بعدما إتسعت حدقتيها بقلقٍ:
-إية!
______________________________________
نظرت للحارس الذي كان يقف أمام باب الشركة بغيظٍ فخلعت القبعة حتي لا يشك بأمرها و إتجهت للداخل بثباتٍ و وضعت القبعة مجددًا و كادت أن تكمل طريقها بسذاجة ولكن أوقفها صوت ذلك الرجل الحاد و هو يقول بإستفهام:
-إنتِ رايحة فين؟
إستدارت ببطئ و هي ترمق هيئة ذلك الرجل الضخم بتوترٍ ولم تجد أي شئ مناسب لتقوله إلا ذلك الشئ الأحمق الذي مر ببالها فهتفت بغضبٍ و هي تعقد ساعديها بإنفعالٍ مزيفٍ:
-إنتَ مين أصلًا عشان تسألني رايحة فين و جاية منين!؟.. هو إنتَ متعرفش إني أبقي بنت خالة "زياد النويري" ولا إية.
رأته يتراجع بخطواتٍ متوترة ثم هتف بأسفٍ و هو يخفض رأسه قليلًا:
-أنا أسف حضرتك مكنتش أعرف.
اومأت بتكبرٍ و هي تستدير مجددًا لتتجه ناحية المصعد بخطواتها الواثقة بالرغم من إصطناعها!
______________________________________
خرجت من المصعد بالطابق العلوي لتسأل إحدي الفتيات بعدما خرجت مباشرًة بنبرة حادة:
-فين مكتب "زياد" باشا لوسمحت.
نظرت لها الفتاه بتعجبٍ هاتفة بذهولٍ متسائلة:
-إنتِ مين!؟.. مأظنش إنك واخدة ميعاد مع الباشا.
علمت من لهجتها إنها السكرتيرة الخاصة به فهتفت مجددًا و هي تعدل من وضعية قبعتها:
-أنا أبقي بنت خالته ولسة راجعة من السفر.
إبتسمت الفتاة ببشاشة لتسير بها ناحية المكتب الذي كان أمامها مباشرًة قائلة بترحابٍ:
-إتفضلي حضرتك إستنيه في المكتب هو بس الباشا في إجتماع قدامه تقريبًا ساعة و نص و يخلص.
إبتسمت "نورسين" بسعادة و هي تري الحظ حليفها تلك المرة فصاحت بعدم إهتمام و هي تتجه ناحية المكتب:
-خليه براحته،خليه براحته خالص.
سألتها تلك الفتاة بنبرة متلهفة قبل أن تتواري "نورسين" عن أنظارها:
-تحبي حضرتك تشربي حاجة؟
و لكنها لم تجد أي رد فلم تهتم و إتجهت لغرفة الإجتماعات لتخبر مديرها بالعمل بما حدث.
______________________________________
أخذت الملفات لتدلف لغرفة الإجتماعات بخطواتها الخفيفة، إقتربت منه لتعطيه الملفات قائلة بنبرة رسمية:
-إتفضل يا "زياد" باشا الملفات و بنت خالة حضرتك مستنياك في المكتب.
عقد حاجبيه ليهمس بتعجبٍ لم يستطع إخفائه:
-"ساندي"!
ظن إن هناك مصيبة ما فإبنة خالته لم تزوره منذ ما يقارب العامين ما الذي حدث!؟
لذا و بنبرة ثابتة هتف بخشونة قبل أن ينهض من علي كرسيه:
-الإجتماع إتلغي.
______________________________________
بدأت بالبحث عما تريده بمكتبه بعدما وضعت سترتها السوداء علي كاميرات المراقبة حتي لا ينكشف أمرها و أخذت تبحث هنا و هناك حتي توجهت ناحية مكتبه لتتفحص الأوراق الموضوعة عليه و لكنها إنتفضت برعبٍ عندما إستمعت للأصوات القادمة من الخارج و كأن أحدهم يتجه ناحية المكتب لذا إلتقطت سترتها و أخذت تتفحص المكان سريعًا بعينيها لتجد مكان ما لتختبئ به فلم تجد سوي تلك الستائر البيضاء فركضت نحوها بلا تردد وقلبها منقبض بصورة لا تطمئن..!
دلف للمكتب و خلفه سكرتيرته فوجدته يصيح بنفاذ صبر بها:
-هي فين دي!؟
إبتلعت السكرتيرة ريقها بصعوبة و هي تهتف بتوترٍ:
-حضرتك هي كانت.. يعني أقصد هي دخلت المكتب و أنا جيت أقولك يعني و كدة.
بدأ الشك يراوده فقلب نظره بالمكان و هو يلقي علي سكرتيرته نظرة قاتمة لا تبشر بالخير أبدًا و فجأة وقعت عيناه علي ساعته التي ظهر علي إنعكاسها حركة غريبة خلف الستائر فأمر تلك التي كادت أن تبكي خوفًا بهدوء مصطنع:
-طب إطلعي برة دلوقتي.
ركضت من أمامه و هي تحمد ربها علي سلامتها،بينما إتجه هو ناحية الستائر ليلاحظ أكثر تلك الأنفاس المذعورة التي تضرب الستائر فتهزها بصورة واضحة لذا و بملامح ترعب المرء شد الستائر لتشهق بإرتعادٍ و..!