رواية عشقت رجل وهمي الفصل الثامن 8 بقلم مريم عبدالرحمن
الفصل الثامن
عشقت رجل وهميلمريم عبدالرحمن
___________________________________
لتصحو من ذلك الحلم التي لا تعلم هل هو جيد ام سئ، لترى الجميع حولها، صديقتها و والدتها و شقيقها الصغير الذي لا يتعدى الخمس سنوات، ينظرون لها بدهشة، لتتسع أعينها و هي تنهض من فراشها:
-هو في اي؟
لتؤردف صديقتها بخوف:
-بقالنا نص ساعه بنصحيكي و مبترديش.
لتقترب والدة صديقتها قائلة:
-في اي يا بنتي خضتينا عليكي شكل نومك صعب اوي.
لتخرج والدتها مع شقيقها لتؤردف هي:
-مالك في اي بقالنا كتير بنصحيكي و منبهك ضرب من نص ساعه و كنت حاسة ان هيغمى عليا و انتي مبترديش ده احنا طلبنا الاسعاف كمان.
لترتسم "منة" على وجهها ابتسامة مشرقه و جميله لتربت على كفي صديقتها بحنان:
-متخافيش أنا كويسه..بس..
-بس اي؟
لتقول لها بخوفٍ و لهفةٍ على صديقتها، لتنظر لها بإبتسامه ليس لها معنى:
-حلمت حلم حلو بس..كابوس.
-إزاي حلو بس كابوس!
-كان قلبي جواه بيدق جامد اوي..نفس شعور الكابوس لكن مكنش ليه منظر يخوف، اللي يخوف هو ان قلبي يدق بالشكل ده.
-الحلم كان عبارة عن اي؟
لتقص عليها ذلك الحلم المجهول بكل متعة و تشويق، لتنظر لها بكل جدية قائله:
-بس انا حاسه إنه ليه معنى.
-زي اي؟
-بصي يا روزا...كتا بنتكلم بليل عن مواصفات رجل احلامي و انا حاسه انه هلاقيه او موجود حواليا.
-حب اي و بتاع اي؟ كل الاشارات يا منة بتوديكي فعلا لنفس الحاجه لكن متنسيش المشاكل اللي وقعتي فيها بطريقة رهيبه..لازم تلحقي نفسك.
لتهرب الإبتسامه و الراحة من وجهها متذكرة كل ما أصابها تدريجياً، ليتها تعود للحلم مرة أخرى، لتزفر بضيق قائلة:
-عندك حق، انا في اي ولا اي؟! سؤال و مش لاقيه جواب عليه.
-قومي البسي، خلينا نروح الشغل، و خدي بالك يا منة علي الدمياطي عمره ما هيساعدك ده هيضرك زي اللي حصل امبارح، قربك من أدم حساه مناسب اوي لمطالباتك.
لم تستطيع الرد على حديثها لكنها سرعان ما اتجهت لدورة المياه كي لا تسبقها، لتهتف روزالين بضحكة رقيقه:
-غفلتيني يا حيوانة.
لا تتعدى ساعات قليله، ليكون "أدم" بمنزله يضع لمساته الاخيرة، و هي عطره.. عطره الذي يميزه عن أي رجل أخر، لينظر لهاتفه بنظره باردة أثر لرسالة قصيرة أتت له "متلعبش، هتندم لو لعبت مع حد أكبر منك" ليرتسم على وجهه ابتسامة سخريه مرمياً لهاتفه بلا مبالاه على الفراش، ينظر بتحدي لنفسه بالمرآه، بل صاحب الرسالة لا يعلم مع من يلعب.
بعد إعلانه الأقوى، إتجه بسيارة أجرة و ليست بسيارته لمنزل "علي الدمياطي" رجاله لم تمنع "أدم" من الدخول، كأنهم أدركوا وجوده يومياً، ليراه يلعب "الطاولة" دون طرف أخر أمامه، ليتجهه له و على وجهه إبتسامه بلهاء:
-بتواجهه نفسك؟
هز "علي" رأسه نفياً و هو يحرك إحدى ملوك الطاولة قائلاً:
-انا العدو بالنسبالي هواء، العدو بعرف العب بيه كويس اوي و على مزاجي و مزاجي هو اني اخليه يكسب مره و اتنين و عشرة لكن تبقى النهاية ليا، عشان كده بلعب بالطاولة مع نفسي.
-انا بشفق عليك يا علي..
قالها و هو يجلس على الأريكة أمامه مباشرةً:
-متخافش، بعرف انجح بعد الخسارة، مش زيك ببص تحت رجلي.
ليشاور بأصبعه كي يقترب منه و يهمس بأذنيه:
-الحقيقة انك مش عارف اللي بيحصل حواليك، متعرفشش ان انت اصلاً ... اللعبة اللي بيتلعب بيها.
ليغلق "أدم" اللعبة بشكل ساخر و هو يكمل حديثه:
-اللعب مش بيبقا على المكشوف، اتعلم مني انا.
اربت على كتفه بحنان مبالغ يدل على كذبه ليجذبه الأخر من جاكتته:
-خد بالك انك مش قدي يا أدم و مكالمه واحده اخليك تاخد اعدام و اموتك بتتعذب.
ليبتعد عنه و هو ينظف بكفيه جاكتته الذي كان يمسكها ساخراً من حديثه:
-مش لازم يكون انت اللي معاك الكارت الرابح، و انا اللي معايا الكوتشينه كلها.
لينهض "علي" من على أريكته متجهاً للنافذه و هو يشعل سيجارته قائلاً:
-انا مش عارف مين فينا اللي شايل زلة على التاني! انا اتلغبطت.
-احنا الاتنين منفرقش عن بعض كتير.
-عندك حق، بس مقولتش انت ليه جاي هنا؟ عشان تقولي ان معاك الكوتشينه كلها! طب يا أخي اثبتلي.
قال "علي" جملته و هو يشير على وجه الأخر بسجائرة و دخانه الكثيف، حينما "أدم" يتقدم نحوه بهدوء مبالغ مؤردفاً:
-هو اللي انا قتلته من كام يوم ! كان مين و اسمه اي و قتلته ليه!
-بس ده مش شغلك يا أدم.
-هتقول يا علي.. يلا قول.
حديثهم هادئ كهدوء ما قبل العاصفة تماماً، و مع إقتراب إحدى رجال الدمياطي:
-أستاذ علي مدام نبيلة مستنية حضرتك برا.
ليرتبك الدمياطي مطفئاً لسيحارته الذي بيده:
-قولها مشغول تستنى شو...
دخلت "نبيلة" تقاطعاً لحديثه و هي تتحدث بأسلوب رقيق و مبالغ به:
-تنشغل عني يا علوشي؟ اخص انا كده ازعل.
كانت ترتدي فستان قصير يعتلي ركبتيها ملتصق عل جسدها كالعارية تماماً، شعرها البني القصير المصفف بعنايه مع احمر شفاهها ذو اللون الأحمر الزاهي و قليل من العلكة المحركة لشفتاها الجميلتان. ليقترب منها بغضب قائلاً:
-بتدخلي ليه بدون اذني!
لتنحدر بعيونها على "أدم" بإبتسامه زاهيه نوعاً ما:
-مقولتليش ان عندك ضيوف! افتكرتك لوحدك.
-يلا اطلعي برا يا نبيلة.
ظلت تنظر له حتى تلاشت من أمامهم تماماً، يجلس "علي" على الأريكة و هو يزفر بضيق:
-انجز يا أدم!
-أنجز انت و قولي ده مين و ليه ؟
-و اي الورقة الرابحة اللي ملسكها ضدي! لسه مصمم متقوليش؟
-هقول لو قولتلي.
-أسر كان بيداري على شحنات المخدرات بتاعتي و في مره خد الشحنه و مرضاش يرجعها و كانت شحنه بملايين و هددته، و حبيت انتقم منه و في يوم جوازه روحت انت قتلته.
-بس كده! ببساطه!
-أه تخيل.
زفر بضيق و راحة و هو يرجع برأسه على الأريكة:
-ممكن بقا تقولي اي اللي ماسكه ضدي لدرجة ان انا معايا ورقة و انت معاك الكوتشينه كلها؟
-ممكن...
_____________________________________
تجلس على مكتبها و هي تنظر للورق بملل، لتمر من جانبها فتاة:
-الواد ملحقش يشتغل ياعيني و انتحر.
لتنهض و تقترب منها "منة" مسرعه:
-هو مين؟
-في واد جه اسمه معتز من يومين و اشتغل... لقوه انتحر امبارح.
-انتحر؟
قالتها و هي في صدمة شديدة و متسعة الأعين، لتقول لها الأخرى:
-انتي كنتي تعرفيه؟
-لا..لا لا...معرفوس بس صعب عليا، كملي انتي شغلك.
لتجلس على مكتبها بغضب تتحدث بصوت مُختخت:
-فينك يا علي فينك! ازاي انتحر و هو مقتول! و الراجل اللي قالي انه شال سلاح الجريمه!
تضع يداها على جبينها لشعورها بصداع رهيب، كمان أنه جعلها تضع رأسها على حاسوبها و تذهب بداخل أوهامها، بداخل حلم جديد أشبه بحقيقة، و هي تقف وسط غابة اشجارها خضراء و بجانبها بئر من المياه، أما هي ترتدي فستان طويل كالحرير يتطاير مع نسمات الهواء، تمسك سطو في يدها لا تعلم ما فائدته و تقترب من البئر أثراً لصوتٍ ما بداخله، تقترب بهدوء و تنظر بداخله، بئر عميق لا ترى نهايته:
-في حد تحت؟
ليتكرر صوتها نتيجة لطوله الفارغ، نظرت بخلفها و هي ترى شخصٍ ما يقترب منها بيده سكين مليئة بالدماء، وجهه ليس معلوم كل ما أدركته هو أن الشخص ذلك يريد قتلها، لتسحب فستانها خلفها و هي تركض بقلبها الذي يدق و ينبض بذعرٍ شديد، و بالفعل ذلك الشخص المجهزل الممسك بالسكين وراءها كأنها فريسته و يريدها لعشائه، مِن ذعرها كانت اسرع منه و تنظر خلفها غير منتبهه لما امامها، لترتطم بجسدٍ كبير و كادت أن صرخ لولا سحبه لها و هو واضعاً يده على فمها لكان ذلك الرجل اقتلع كبدها الأن، ليهمس لها قائلاً:
-اسكتي، انا مش هأذيكي هو اللي هيأذيكي إنما أنا لاء.
ليسحب يداه من على فمها بهدوء و هي تنظر بعيونه اللامعه بدقة:
-مش انت اللي رقصت معايا في الحفلة و مشيت و سيبتني!
-اسف اني مشيت و سيبتك.
كانت المسافه بينهم تكاد منعدمه، ذلك ليس بحلم! فلمساته و اقترابه لها حقيقي كلمسة ماسة حقيقه، إبتلعت ريقها و هي تبعتد عنه بهدوء:
-اي جابني هنا؟
-معرفش بس انا مش بشوفك هنا كتير.
صمتت قليلاً لتدرك هيئة الامر حولها:
-هو انت اسمك اي؟
-يونس...و انتي؟
-منة.
ليمد يده باحترام شديد:
-تشرفت بيكي.
لتلمس كفيه و هي تشعر بالفعل بحقيقة الأمر، كعادة الانسان لا يشعر بتلك اللمسات في احلامه، لا يشعر بتلك الشعور القوي و تلك الغموض و النظرات، ليقاطع شرودها قائلاً:
-تعالي نقعد في الجنينه، نبعد من هنا.
امسك يديها بذات شعورها و هو يمشي بإتجاه و كأنه يبحث عن شئ أخر، هل هو التقى بقصرٌ كبير وسك الغابه، لكنه زاهي و لامع مجرد دخولك منه اللطفال تلهو و الازهار تبتسم و الحب ينادي، قصر يملأ قلبك بالحياة و مفعم برائحة العبير الطيب، ليرتسم على وجهها ابتسامه عريضة و عيون تصف الفرحة قبل ابتسامتها و كلماتها:
-يونس! المكان ده بتاعك؟
ليؤردف ساخراً:
-مش اوي.
-مش فاهمه!
-المكان ده بتاع شخص مجهول... محدش مننا يعرفه، بس هو اكيد شخص طيب لدرجة انه ضامم ناس كتير اوي تعيش هنا، قلوبهم طيبه بس عندهم مشاكل كتير اوي بييجوا هناةعشان يتجاوزوها.
-مفهمتنيش اوي بس ماشي.
ليضحك بصوت رجولي يجعلها تنظر له بابتسامه:
-بتضحك ليه!
-عشان كلنا هنا منفهمش حاجه غير اللي قولتهولك ده، احنا عارفين اننا لازم نعيش و خلاص.
لتهز رأسها بالإيماءة على حديثه:
-طب و الراجل اللي كان عاوز يقتلني برا! ده اي نظامه؟
-ميقدرش يدخل هنا، طلاما دخلتي هنا محدش هياذيكي.
ليترك يداها تلك المره و يذهب بعيداً بشكل سريع، تتسع عيناها لتذهب خلفه صارخه:
-يونس استنى انت رايح فين... يونس...يونس.
ليتلاشى كل شئ... كأنها في غرفة مظلمة ليس لها نهايه او حتى جدران، فقط ايادي تسحبها دون معرفة مين و هي تستمر بالصرخ بإسمه:
-يونس.......
لتصحو من الحلم او الكابوس ايهما اقرب و هي تصرخ بصوت عالِ بإسمه في وسط الشركة، ليترك الحميع عمله و ينظرون لها، لترى أن العرق قد بلل خصلات شعرها و حاسوبها و القليل من ملابسها كأنها بالفعل كانت تجري، اخذت كوبٍ من الماء و يداها مرتعشتان و ها هو شخصٌ ما يضع يده على احدى كتفيها لتصرخ و تقذف بالكوب أرضاً مفتفت لقطع زجاج صغيرة:
-انتي كويسه؟
لتنهض مسرعة. تقترب منه قائله بهمس:
-انت فين يا علي من امبارح كنت محتاجاك اوي.
-حصل اي؟
امسك بيديها المرتعشتان مستغلاً بالذعر الذي محاوطها:
-انا...قتلت..معتز.
اتسعت عيناه قائلاً بهمس:
-ليه؟ يعني حصل اي عشان تقتليه.
-اتهجم عليا و غصب عني... طلعت النسظس و ضربته و كنت خايفه اوي، و لسه بنن من شويه قالت ان هو مات منتحر، معرفش ازاي بس انا اصلا سيبت السلاح هناك و كل حاجه هناك.
اتسعت عيناه بشكل مفجع صارخاً:
-ازاي؟
-معرفش، دماغي مكنتش موجوده و كنت خايفه اوي.
-انا يا منة روحتواصابح عشان ايجيب الكاميرات اللي بتودي على شارع معتز و اشيل الحتة اللي انتي كنتي فيها لكن ملقتهاش اصلا ده غير ان ازاي يقفلوها قضية انتحار؟ طب انتي سيبتي السلاح فين؟
-سيبته عالكنبه عادي جمب معتز.
ليخلل اباخسه في خصلات شعره بغضب:
-في حد يا منة ورانا، حد بيدافع عنك تفتكري يكون مين؟
-بص... في واحد اما اغمى عليا خدني و قالي ان هو اللي خد السلاح و اني في لعبة كبيرة اوي و انه مستعد يقولي كل حاجه اما ارجع ليه تاني.
-طب يلا نروحله حالاً.
تمر الساعات و تقف سيارة الدمياطي امام عمارة ما، بتؤردف هي بصراخ:
-ايوه فعلا.... هي دي العمارة.
-طب اهدي خلينا نطلع و نتكلم معاه و يفهمنا كل حاجه.
ليدلف هو أولا للعمارة و دق باب المنزل الذي اشارت عليه "منة" لتفتح احدى الفتيات و هي تبكي، تتسع اعين منة قائلة بذعر:
-في حاجه؟
لتقول لها تلك الفتاة بخوف و ذعر:
-قتلوه...قتلوه.
ليؤردف علي بحدة:
-قتلوا مين؟
-بابا جاسر.
-و هو فين؟
-جوا.
ليدخل الدمياطي مسرعاً و خلفه فتاته، ليتجهه لباب الغرفة الذي يخرج منه بكاء و صراخ تلك الثمانية اطفال حول جثة والدهم الروحي على فراشه مملوء بالدماء، لتبكي "منه" ايضا و هي تصرخ ببكاء من المنظر البشع و بسبب صراخها ذلك اخذها بين احضانه ليربت على شعرها الحرير بحنان:
-اهدي...اهدي يا منة.
ليأتي صوت رجولي من خلفهم:
-نورتوا...
كلاهما يعلم الصوت جيداً... صوت حاد.. مخيف... غريب...لينظروا لصاحب الصوت الذي اصاب قلبهم ذعراً.
-كنت مستنيكم.. كنت عارف انكم جايين، مستني اللحظه دي بقالي ايام و ليالي بعدها.
ليضمها بصدره بشده خوفاً من ذلك الرجل، ليرفع ذلك الشخص المسدس بوجههم و ينبثق منه رصاصه، لمن كانت الرصاصة!
من هو الشخص ؟ و لمن تلك الرصاصة؟ و من يونس؟
يتبع....
لمريم عبدالرحمن
رايكم و توقعاتكم تعبت في الفصل جدا