رواية الحرب لاجلك سلام الفصل الرابع عشر 14 بقلم نهال مصطفي
فصل الرابع عشر
كنت احارب لأخفى عنك شيئا لا يُحكى وأصمت وتفضحنى عيونى ساعة اللقاء .. فبقدر ما اريد التخلص من تاثير عينك .. ارغمك بطريقه ما على البقاء ..
يبدو اننى لازلت اُفضل البقاء فى المنتصف بين كل شيء .. عاقله بين شِجارات القلب والعقل والقدر .. كل منهما يحاول اقناعى للسير فى مساره بطريقه مغريه للغايه .. لاقف على هاوية النسيان حائره ؛ ايجوز الاشتياق لمن فضل الابتعاد عنا خيارًا ؟!
***
- كوين عايده الاول " الف الف مبروك " .. بعد النجاح العظيم اللى فازت بيه شركات ( النورماندى جروب ) ممكن أعرف ليه ناريمان فايز انسحبت قبل المهرجان بساعات ؟!
اردفت الصحفيه سؤالها لعايده التى ارتدت ثوب النصر وتسلحت بابتسامة الفوز قائلة بفظاظه
- الله يبارك فيكِ .. اولا انا بوجه رسالة شكر لكل اللى تعبوا معايا عشان نوصل للنجاح الرهيب ده .. ثانيا معنديش رد على انسحاب ناريمان دى الاجابه هنعرفها كلنا فى المحكمه ..
عادت المحاورة تلقى سؤالا اخرا
- ومين رشح لحضرتك الاختيار الموفق للموديل ؟!
- بصراحه كل حاجه جات صدفه .. فجر كانت لسه راجعه من اوروبا واول ما طلبت منها متأخرتش ..
عادت المذيعه لتلقى سؤالا جديدا موجها لفجر قائلة
- ممكن تعرفينى على حضرتك اكتر من الضجة الرهيبه اللى حصلت عشانك !!
ابتسمت فجر بامتنان وشرعت لتُجيب ولكن اوقفها تدخل عايده المفاجئ وهى تخطف المايك قائله
- فجر من اوصول عائله (النورماندى) .. وكانت بتدرس فاشون فى أوروبا ولسه راجعه من كام يوم .
ابتسامة مجامله تبادلت بينهم فعادت المذيعه لتسائل فجر مرة ثانيه
- احكى لى من خلال تجربتك النهار ده .. حاسه بايه !
لم تعط عايده الفرصه لفجر أن تتفوه .. فكانت سرعان من تخطف الاضواء والاعلام لديها لتزين كذبتها بحرافيه .. لازالت فجر صامته راسمه ابتسامه مزيفه .. تتقرب عالمهم الورقي ولو اشتدت عليه الريح لهدمته فوق رؤوسه ..
بات اكبر رجال الاعمال يتنافسون على فستانٍ ثمنه كافيا أن يكفُل قريتها عامًا مقابل ليله واحده يشترون بها رضاء نسائهم التى لم تذرهم نسائم القناعة .. يدفعون الملايين من الجُنيهات مقابل خبرا بالخط العريض فى جريده الغد .. حتى الحب لم ينج منهم يشترونه بنقودهم .. يتسابقون ليكّونوا اموالا كى يكونوا بها .. ألا أُخبركم بأن عالمهم فارغا للغايه !! " حياة من ورق "....
■■■
- اتصرف يا سامر .. حتى ولو هترسي على طيارة خاصه توصلنى اسكندريه خلال ساعه ..
تلتهم نيران غضبه خطاوى صالة مطار العريش وهو يجوب ذهابا وايابًا يتحدث مع صديقٍ له يعمل بالمطار .. اجابه سامر قائلا
- ياسيوفى اهدى يا جدع .. قولت هتصرف ..
- سامر .. مفيش وقت !! انجز وحياة ابوك ..
- طيب بص ياهشام فى طياره كمان ساعه هتطلع .. استنى بس هشوف المقاعد واقولك ..
-حتى ولو هفضل واقف على رجليا ... المهم اوصل .. يلا ..
- طيب ياسيوفى .. اهدى وهرجع اكلمك ..
■■■
- الله عليك ياجوجو ياجامد .. حقيقي أنا مش مصدقه نفسي .. شكلك طالع قمر اوى اوووووى ..
تتنطت رهف امام فجر وبصوتها الطفولى المفعم بالانبهار اردفت جملتها .. فضحكت بسمه قائله
- بصراحه يا جوجو الجمال عدى الكلام ..
- والله ياجماعه انتوا مكبرين الموضوع .. انا هقلع الفستان بس وهرجع فجر اللى تعرفوها ..
لم يكد يجيبها أحد ولكن بادر ردهم صفير زياد العالى وهو يقتحم مجلسهم فجاة قائلا
- يا بنتى هو انا مش سبق وقولتلك أنك خطفتى قلبى من أول مرة قابلتك فيها ..
تنحنحت رهف بخفوت مردفه بنبره ساخره
- اهو نحنون آل السيوفى وصل ..
استدارت بسمه نحوه باغتياظ
- انت كمان بتعاكس قدامى ..
رد ممازحا ولازالت اعينه تحرق فجر قائلا
- أنا لو مأستغلتش الموقف وعاكست الصاروخ ده حالا .. هتبقى نقطه بيضه فى سجلى المهبب ..
كتموا اصوات ضحكهم جميعا الا بسمه انعقدت ملامحها قائلا
- عارف يا زياد لو ما احترمت نفسك ممكن اعمل فيك ايه !!
لازال محدقا النظر بفجر وعيونه الصقريه تلتهمها وهو يقول بهيام
- أكتر من اللى فجر عملته فى قلبى ؟!
فارت دماء بسمه من عبثه فلم تكبح مشاعرها بأن تضربه بحقيبتها الصغيره على كتفه وسرعان ما استدار نحو بسمه بانسيابيه ليلتهم شفتها مباغتةً تحت انظار فجر ورهف التى ارتفع صوت شهقتهم مذهولين من فعله الغير متوقع .. ثم ابتعد عنها بعد ما انهى مهمته قائلا
- يعنى اعاكس من وراكى مش عاجيك اعاكس قدامك مش عاجب !! اعملك ايه عشان تصدقى انك جوه القلب والعين ..
من السطيحه ان يقول لها (احبك) .. ولكنه رجلٌ يراوض فقط لينعم .. احمرت وجنتى بسمه خجلا إثر فعله فهتفت رهف بتسائل
- هى الميه رجعت لمجاريها ولا ايه ؟!
وجه زياد كلامه لبسمه : اشمعنا دى ماقولتلهاش عليها !! ولا انتو كستدات كده مش بتحكوا غير النكد !
رفعت رهف حاجبها بانيهار : يبقي الميه رجعت لمجاريها .. ااااه وانا اقول مجيتوش ليه معانا اسكندريه !! يعنى خلاص اتصالحتوا وهنحضر فرحكم قريب ..!
مور زياد كفه ليضرب به رهف على راسها قائلا
- خفى نبر يابت أنت ..
عبثت رهف بأناملها فى وجنتيه
- توبتى خلاص يابيضه وهتودعى السرمحه ؟!
رمقها بعيون ضيقه قاصده إثاره غضب بسمه وهو يقول
- مين بيطلع الاشاعات دى ؟! دانا اللى بيجرى فى عروقى ستات مش دم ... يموت الزمار وصوابعه بتعزف ياروفا!!
اتسعت حدقه عينى بسمه مهدده : وربنا اقتلك يا زياد ومش هاخد فيك يوم ...
تدخلت فجر سريعا فى الحوار
- جرى أيه أحنا ما صدقنا انكم اتصالحتوا .. وانت ياعم زياد اتفضل بقى عاوزه اغير ..
- ما تغيري عادى .. دى ساعه المُنى !!
اردفوا ثلاثتهم بنبره واحده : آييييييه ؟!
تلعثمت الحروف بفمه : قصدى لو مكنش القمر هو اللى يحلف !!
اردفت نيرة صوت بسمه متوعده : زياااااااد ..
نصب عوده الذي كان منحنيا قليلا نحو فجر متحمحما
- احمممم هدور العربيه واستناكم تحت ....
تركهم زياد وغادر وسرعان ما التفتا نحوها فجر ورهف التى اردفت بنيره عسكريه
- حالا .. تقوليلى ازاى وفين وليه وامتى وحصل ايه من ورايا رجعكو سمن على عسل كده ..
صمتت بسمه للحظه شرعت فيها انها وقعت فى مخالب من لا ترحم قائله بأرتباك متعمده الهرب من اسئله رهف
- أنا!! ده اخوكى بيشتغلنا ... ممم انا هنزل اشوفه .. يلا سلااام ..
وقفت رهف تتحرق ظهرها بنظراتها الفضوليه واضعه كفيها على خصرها وهى تقول
- مابقاش رهف السيوفى اما كانت في حاجه حصلت من ورا ضهرى وانا معرفهاش ..
لكزتها فجر قائله
- انت ياعم المفتش ..واحد ومراته انت مالك ياغسله !! ممكن تفكيلى الفستان بقي ...
لازالت ملامح رهف منعقده بجديه ونظرتها الحادة صوبتها نحو فجر التى ارتبكت للحظه
- اسفه مكنش قصدى اشتم بس انت فضوليه اوى يالهوى منك ...
قهقهة رهف بمزاح : أنت بالذات تسكتى خالص عشان لسه هشام السيوفى لما يعرف بجريمتك دى هيحطك كده فى مدفع ويولعك بدل الصاروخ ..
- يادى النيله ! اسكتى انا مرعوبه ومش عارفه اصلا عملت كده ازاى ؟!
■■■
وصلت مُهجه الى غرفتها بالفندق وهى تنزع حذائها ذو الكعب العالى وتلقى نظرة متباهيبه على فستانها الاسود الذي ينحت تفاصيل جسدها لتبدو أكثر جاذبيه .. صففت شعرها بانسيابيه ثم استدارت لترد على هاتفها وهى ترتمى بظهرها فى منتصف مخدعها قائله بدلال
- كل ده ولسه مجتش يا زيدوووو ؟!!!
اجابها زيدان وهو يركب سيارته الفارهه
- انا فى اسكندريه .. قدمت بلاغ ف ولد السيوفى وجايلك تحكيلى اللى حصل بالتفصيل وازاى وصلتى لفجر ...
ضحكت بصوت عالى وهى تتغنج بدلال
- لما تيجى هابقي اقولك ...
- فى اقل من ساعة هكون عندك .....
■■■
لمست عجلات طيارة العريش ارض مطار اسكندريه .. فكان هشام يقف على بابها وبجواره سامر الذي عرف قصة فجر كامله من هشام لانه طلب مساعدته ..
- ياسيوفى مش هجرى وراك يا جدع .. اصبر طيب ..
يحاول سامر ان يلحق بخطوات هشام الواسعه الاشبه بالركض حتى وصلا الاثنين الى باب المطار .. فهتف سامر
- اكيد مش هنركب مواصلات .. استنى انا كلمت اخويا يجيبلى العربيه وزمانه جاي .. ممكن تهدى !!
افجرت براكين غضب هشام جاهرا
- اهدى ازاى بعد عملتهم المهببه دى ؟!!!!! انت مش متخيله عواقب الموضوع .
وقف سامر امامه متأففا
- والله فاهم بس ما فيش حاجه هتتحل بالعصبيه دى ؟!
ضرب هشام الارض بمشط قدمه متأففا وهو يلوح لتأكسي .. ولكن سرعان ما جهر سامر قائلا
- اخويا جيه .. يلا تعالى نركب ..
سار هشام خلف سامر وركب سيارته وهو ياكل شفتيه اغتياظا .. فله ان يهد العالم عندما يحدث عكس ما ينتوى ..
- طيب ... طيب ياست عايده!! بتتحدينى ؟!
فاق على سؤال سامر لاخته : سارة .. اومال اخوكى مجابش ليه هو العربيه ..
- اصله تعبان قولت اجيبهالك انا .. عادى ياسامر ..
هتف هشام قائلا : وصلها الاول وبعدين كمل على البيت ..
اومى سامر بالايجاب وهو ينطلق بالسياره .. ولكن التفت هشام نحو حديث سارة التى تبارك له
- متتصورش يا سياده الرائد مهرجان مادام عايده مكسر الدنيا .. بجد نفسي اوى البس من عندها ..
ببلاده اجابها : اااه ان شاء الله ..
سرعان ما فتحت هاتفها لتُريه الفستان
- حقيقي الفستان يهبل بعقل !!! والموديل قمر اوى كأن الفستان اتفصل عشانها ...
تناول الهاتف ليكبر الشاشه ويتأمل تفاصيل فجر داخل الفستان برغبه عارمه تمزقه من الداخل .. فكان لديها جمالا يصهر الحديد وبجمالها طغت على الفستان ليبدو بهذه الهيئه .. ظل طويلا يتفقد صورتها مما ثار فضول سارة الهاتفه
- هى بجد تقرب لطنط عايده ؟!
التفت هشام نحو ساره باستغراب
- مين ؟!
- الموديل الجديد .. ولسه راجعه من اوروبا !!
حاول تشتيت انتباهه عن الغضب ضاحكا
- كمان ؟!
- فى حاجه ياسياده الرائد!!
تدخل سامر ليضع حدا لثرثرة اخته المتيمه بهشام قائلا
- سارة هشام مافيهوش دماغ لرغيك !!
- سورى مكنش قصدى ..
ابتسم هشام بمجامله : حصل خير ...
ثم عاد ليعبث بهاتفه بحركات فوضويه حاولت سارة ان تلتقطها من خلفه ولكنها فشلت التى اتخذت من انفاس قربه خليلا فى ظلال مخيلتها لتشرد معه فى حياة شقيت فى نقشها ...
■■■
تفتنها من راسها للكاحل عندما فتحت له الباب ففزعت غدده الصماء فجاة متذكرة وظائفها الاداميه .. ولكنها سرعان ما ركضت ضاحكه وهى تقول
- تقول لى عملت ايه مع ابن السيوفى الاول ..
القى زيدان عبائته أرضا وهو يدنو منها بنظراته الناريه
- يتحرق ولد السيوفى .. تعالى اقولك حاجه اهم ..
اوشك ان يظفر بمراده ولكنها ابتعدت عنه إثر رنين هاتفها قائله
- نيمو ... حبيبي ازيك !!
أطفأت ناريمان سيجارتها بغل
- شوفتى ست عايده تبلغ عنى انا ؟!
اطلقت مهجه ضحكة عاليه تردد صداها فى ارجاء الغرفه
- وانت خايفه ولا أيه !!
- مهجه هانم انا فى مصيبه ؛ انا مش اد مرمطة المحاكم ؟! ولا اد الشرط الجزائى !
استندت مهجه بمرفقها على كتف زيدان الذي طوقها من خصرها قائله
- ومين جاب سيره المحاكم بس .. طول ما أنا معاكى اطمنى ..
هتف ناريمان بخوف : بس انا خايفه
- ياستى ليكى عليا بكرة هنتقابل وهفهمك على كل حاجه .. مرضي !!
اطرقت ناريمان مستسلمه : تمام .. بكرة هستنى تليفونك ..
تفقدها زيدان بتسائل : مين دى ؟!
رجعت بظهرها للخلف وهى تطلق ضحكه تنبض قلب الحجر
- دى ياستى الطعم اللى احنا اصطادنا بيه ست فجر !!
رفع حاجبه متسائلا: افهم ..
ابتعدت عنه لتصب كأسا له من النبيذ وتقص عليه ما حدث
- فاكر لما روحت لعايده هانم عشان اتفق معاها على شحنات جديده ...!!
تناول منها الكأس وتجرعه دفعة واحده وهو يقول
- ايووووه !!
- انا ونازله بقي خبطت فى ناريمان وشبهت عليها لانى بحب اتابع الموضه واللبس والجو ده .. واتعرفت عليها وطلبت منها متروحش المهرجان ... وهديها اضعاف ما بتاخد ...
ثم تناولت قبله خاطفه من ثغره مواصلة حديثها
- البنت طمعت والفلوس زغللت عينها .. واختفت .. وطبعا ست عايده مكنش قدامها غير استبن وطبعا مش هتختار اى حد والبت فجر بصراحه يجى منها .... وبغبائها ظهرت للاضواء وبكده وصلنا لكل اللى عاوزينه ...
ظل يقطم شفتيه منبهرا بذكائها : دانت دماغ !!!
-تربيتك ياعمده .. المهم عملت اى مع سيادة الرائد !!
- زمان الحكومه واخده قوه وطالعه على بيته !! وكلها ليله وست فجر تشرف فرشتها ...
كانت أخر جملة اردفها زيدان قبل ما ينقض عليها كأنقضاض الاسد على فرائسه ....
■■■
صوت طرق قوى على الباب حتى اوشك على الانخلاع .. لم تكد فجر تجلس على الاريكه لتستريح من (حذائها العال الغير معتاده على لبسه وبنطالها الجينز الذي يقطم خصرها وفوق توب وبليزر باللون الابيض ) ... فكانت عايده حريصه على مظهرها لتبدو كنجمات هوليود فتليق بمهرجانها ....
نهضوا جميعا فركضت رهف نحو الباب لتفتحه .. فهب عواصف غضب هشام كالدقيق اقتحم كل الوجوه وهو يدفع رهف بقوه من امامه حتى ارتطم ظهرها بالحائط
- والله عاااااال !! ست عايده هانم فين !
خرج زياد من غرفته متسائلا
- هشام !! فى ايه ؟!
- اهلا يابيه .. تعالى شوف الفضايح اللى عملتها أمك والهانم ..
ركضت رهف لتهدأ من ضجيجه
- اهدا بس ياا ابيه هفهمك ..
دار نحوها صارخا
- انت تخرسي خالص لسه حسابك مجاش !!
تقدمت فجر بخطواتها الثابته وهى تقارن قامته بقامتها التى وصلت لثغره إثر حذائها المرتفع وهى تقول ببرود
- ممكن اعرف حضرتك متعصب ليه ؟!
حاول قدر الامكان تمالك اعصابه وشجونه قائلا بغضبٍ مكبوت
- هو أنا مش منبه عليك .. ضلك ما يشوفش الشارع !!
عقدت ساعديها متحديه
- ااه .. قولت ..
- حلو ! افهم بقي اللى هببتيه ؟!!!!!
استخدمت اسلحة التمرد قائله
- انت تقول اللى عاوزه اما أنا اعمل اللى عاوزاه ...
- انت شكلك متعرفيش هشام السيوفى...
لم تكد أن تنتهى من جُملتها فنالت من كفه القوي لطمه قويه أخرستها .. نيمت التمرد على شفتيها .. وجمدت الدماء بجسدها .. تنظر له بعيون منهمكه بحزن لم تذرف دموعه .. بادلها بنظرة نادمه للحظه وسرعان ما استدار ليتجاهلها ويترقب العيون المتسعه التى تحاصره جاهرا
- انتوا مصممين تهدوا الدنيا فوق راسنا ليه !! كل واحد مش فاهم حاجه وماشي بدماغه ..
استند سامر بكتفه على الحائط يترقب الموقف بصمت بالغ .. ركضت بسمه نحو فجر التى اصيبت بصدمه إثر فعله الغير متوقع .. فهى اعتادت ان تتمرد وتلعب على اوتاره دون ان يتطاول عليها .. افسح عليها ساحة الجدال وسرعان ما هد المعبد فوق رأسها .. صفعه واحده من ادخلتها فى عالم لم تستطيع أن تفيق منه للحد الذي تناست وجوده البشر حذاها ..
تدخل زياد : هشام فهمنى طيب .. اهدى ..
- بقولك مستقبلى ضاع يازياد بسبب انانية أمك وغباء عيله مش فاهمه حاجه ؟! عاوزنى اهدى ازاي !!
لم يستطع زياد ان يجيبه ولكنه التفت نحو رنين هاتفه من رقم مجهول فوجده صوت انثوى متسائلا
- دكتور زياد اخو الرائد هشام معايا ؟!
اتسعت عيون زياد وفتح مكبر الصوت وهو يجاريها فالحديث
- ااه اتفضل .. مين الاول ..
- بص يا دكتور انا واحده مش معاكم ولا تضدكم بس حابه اعمل معاكم موقف جدعنه ..
صمت الجميع ولكن اعينهم باتت مشحونه بالف سؤال
- فهمينى ..
- وصل لسياده الرائد أن البوليس كلها دقايق وهيكون عنده لانه مطلوب القبض عليه بس خطفه لمراة العمده زيدان نصير ... انا عملت اللى عليا يارب تلحقوا تتصرفوا !!
جهر زياد عده مرات : الووو مين ! الوووووو ..
انتهت مهجه من القاء سُمها وسرعان ما هبت مفزوعه على صوت زيدان الخارج من المرحاض ملتفا بمنامته وهى تبدل خطوط الاتصالات قائلا
- كنت بتكلمى مين ؟!
- هااااا !! كنت كنت بطلب عشا .. عارفاك على لحم بطنك من الصبح ..
■■■
صوب زياد عيونه المتسعة نحو هشام قائلا
- فهمت حاجه ؟!
تدخل سامر فى الحوار : اكيد العمده بلغ .. هشام انتوا لازم تهربوا من هنا !!
- انا مش ههرب لمكان !!
- ياسيوفى افهم .. البت دى لو وقعت فى ايدين زيدان هيقتلها ..
- شالله يقطم رقبتها .. تستاهل كل الل يجرالها ..
زفر سامر باختناق : اسمعنى بس .. لازم تبعدوا عشان تحلوا الموضوع الاول .. وانت قولتلى انك محتاجاها فى قضيتك ..
تدخل زياد : سامر كلامه صح .. يلا هجيب مفاتيح العربيه واوصلكم لشاليه واحد صاحبى..
استدار نحوها فانتابت جسمه قشعريره لا يعلم من اين تسربت قائلا
- رهف هاتيها وتعالى ..
رهف بمعارضه : وانا مالى اهرب معاكم ليه !
جحظت مقلتيه بشظايا الجزع
- مش عاوز كلام كتير ..
وقفت بسمة التى خطفت انتباه سامر بلون عيونها الرمادى وهى تقول
- اجى انا ياهشام معاكم ..
تدخل زياد سريعا : خليك أنت عشان محدش يحس بحاجه..
لازال سامر مسحورا بملامح بسمه الهادئه وهو يقول
- اتفضلوا انتوا وانا هأمن البيت تحت يللاااا ..
تحركت فجر معهم مستسلمه متحاشيه انظاره عن هشام الذي من حين لاخر يتأملها بحماقه طفل الى ان التقت أعينهم لوهله صافحت قلبه باهدابها المرتجفه بنظرة اصابته بضربه احدثت اثرها كدمه من تلك التى لا تراها العين بل تدغدغ القلب وهما على اعتاب الشقه .. ففوجئوا بعايده
- انتوا رايحين فين !!
رمقها هشام بنيران غضبه : لسه حسابك مجاش يا عايده هانم.
القى جمر كلماته وانصرفوا جميعا على السلم فردا وراء الاخر .. ترقب سامر الطريق ثم اشار لهم بالتحرك نحو سيارة زياد ... بغتة صدر صوت رصاصه ممزوجه بصراخ رهف فتفاداها هشام عن فجر وخفير تبع زيدان يجهر قائلا
- عيهربوا يا ولد المحروق!!
دخلوا جميعهم السياره ولازال هشام ممسكا بكتفه متأوهها تحت صراخ رهف التى جن عقلها
- هشااام هشام انت كوويس .. قول انك كويس والنبى ..
انطلق زياد بأقصى سرعه فلحقت خلفه سيارة الخفر التى فشل سامر فى تعطيلها وهو يركل الحجر بقدمه متأففا
- ياولاااد ال !!!!!!
■■■
تجوب ذهابا وايابا تحت انظار بسمه صارخه من فيض قهرها
- الولد يقف يقولى لسه حسابك مجاش !! وايه كمان ياابن السيوفى ؟! دى اخرة التربيه !!
بسمة بتوسل : طيب معلش ياخالتو اهدى والنبى .. هشام معذور. ..
دفعتها بغضبٍ يتقافز من ثغرها
- انا اللى روحت جبت بنت من الشارع ودخلتها بيتى ؟! انا اللى اتسترت على واحده هاربه ؟! هو اللى ودانا فى داهيه وجاي يحملنا نتيجه اخطاءه .. شارب طبع ابوه .. هو دايما صح هو ما بيغلطش هو اللى كلمته تتسمع ..
- طيب اهدى .. معلش ماانت عارفه هشام بيرمى كلام من غير ما يحسنه !! وانت امه بردو عديها ..
هبت زعابيب جزعها
- وياريت طمرت فيه التربيه !! ابوه بعد ما اتمرمغ فى حضن بنت عمه جابلى ابنها حتة لحمه حمره عشان اربيه والأكبر كتبه بأسمى .. وانا اللى عايشه وساكته ومتحمله نتيجه اخطائه وعكه وشخطه ونطره ... طيب يااهشام .. لازم تفوق وتعرف مقامك كويس !
تجلطت دماء بسمة إثر ثرثره خالتها وهى تقول بذهول
- هو هشام يعرف الموضوع ده ؟!
جلست عايده على الاريكه وهى تناول حبوب مهدأة
- لا طبعا .. محدش يعرف غيرك انت وامك وابوه ، وانا اللى خايفه على مشاعره وبعامله زى ولادى ... دى اخرتها ياهشام !!!!!!
جثت بسمه على ركبتيه
- خالتى وغلاوة رهف وزياد عندك ادفنى السر .. عشتى دفناه ٣٣ سنه هتيجى تفتشيه دلوقت ؟!
- صبري نفد منه ومن ابوه يابسمه .. جبت اخرى ..
ربتت بسمه على فخذها بتوسل
- بكرة هشام هيتجوز ويبعد عنك خالص .. بس متكسريش قلبه عشان خاطر اخواته .. بلاش تخليه يكره نفسه أكتر !!
اغمضضت عينيها لبرهه متخذه عدة انفاس متتاليه وهى تتراجع برأسها للخلف .. ظلت ترمقها بدهشه وتتسائل بينها وبين نفسها
( اى فعل او رد خلف جدار الغضب قادرا على إطفاء الرحمه بالقلوب .. والبوح باسرارٍ دفُنت لاعوام .. كنت اظن ان الماضي اسير الايام مهما مرت عليه محته فيُسنى ولكن ما عرفته الان الماضي لا يُنسي وأن حاولنا نسيانه .. الماضي سحر ينقلب على الساحر بمجرد التنافر بينهم .. على كلٍ اشعر وكأننا خلقنا بقلبٍ غير مؤهلٍ لكتم الاسرار كقصرٌ دفين فى مكان مجهول ذو بوابه واسعه تطل على العالم اجمع وهى ثغر البشر ..)
■■■
لازال زياد ينطلق بسيارته بسرعه فائق وخلفه سيارة خفر زيدان وعلى حده كانوا رجال الشرطه منتشرين تحت منزل عايده التى اوشكت أن تبوح لهم بالحقيقة ولكن سرعان نا تدخل سامر سريعا
- انا النقيب سامر فؤاد .. ولسه سايب الرائد هشام بيخدم فى العريش ..
ظابط الشرطه: احنا عاوزين البنت والرائد هشام مسيرنا هنوصله ..
هتفت بسمه سريعا : بس البنت اختفت بعد المهرجان .
- ياانسه انا عندى امر بالقبض على ظابط خطف واحده يوم فرحها!!
تدخل سامر سريعا : انت اكيد عارف جاي تقبض على مين ؟!
- الجميع قصاد العداله سواء ياسياده النقيب.
- بس هشام السيوفى غير ..
احمر وضع الظابط غاضبا: ممكن اعرف سبب تواجدك فالوقت المتاخر هنا وعلاقتك بعائله السيوفى ؟!
تبادلت الانظار بين سامر وبسمه للحظه ثم اردف بثقه لم يتسرب منها الشك قائلا
- والمفروض إنى اجى إمتى عشان اشوف خطيبتى ؟!
ردت الكلمه فى صدر بسمه كالسهم متابعه حديث سامر باهتمام الذي رات منه نيره مختلفه متسلحه بالقوة
- انا شايف انك تعديت حدود مهمتك يا حضرة الظابط.. ولو عاوز تفش اتفضل الباب مفتوح...بس ياريت فالسريع عشان الحق اقعد مع خطيبتى .....
■■■
لم ينجح زياد فى الفرار من رجال زيدان اللذين فصف بسيارته بقرب الميناء هاتفا
- يلا انزلوا بسرعه ...
هبطوا جميعا من السياره ولازال هشام متأوها ويسير خلفهم حتى جذب انتباه فجر اهاته المكبوته فرجل عنيد مثلا لا تليق به آهات الوجع وقفت للحظه لتساعده ولكنه رفض مساعدتها واكمل طريقه راكضا وهو يسحبها من كفها عندما سقطت عينه على رجال زيدان يدلفون من سيارتهم ..
وصل زياد الى اللانش الذي طلبه من صديقه وتسلقوه سريعا ولازالت اعينهم على رجال زيدان اللذين يبذلون اقصي جهدهم ليلحقوا بيهم ...
بعد نصف ساعه من تحرك زياد فى البحر .. تهدأ سرعة اللانش الذي قسم امواج البحر لنصفين شيئا فشيئا ويهدأ زعر قلوبهم معه متخذين انفاسهم بارتياح الى أن توقف اللانش فى عرض البحر باحثين باعينهم عن نجوم السماء التى اختفت إثر تكدس سحب الهموم فوقها حتى انطفأت ...
قام زياد من مقعد القياده مقاومًا اتجاه رياح البحر الأبيض المتوسط الذي يعانده ويأتى عكسا مردفا بضجر
- اتمنى الست هانم تكون مبسوطه بالمرمطه دى !!
وحدها المقصوده وحدها التى قلبت حياتهم رأسا على عقب وحدها الذي غُرز بقلبها خنجر الذل .. بللت فجر حلقها عدة مرات محاوله الحفاظ على ثباتها ولكن كعادتنا نحن كبشر مهما تسلحنا بالقوة اتت العين لتفسد كل شيء وفى نفس اللحظه التى انبثقت المياه من سُحب مقلتيها لحقت بها سحب السماء بامطار غريره كسيل مصائب حياتها .. تدخلت رهف سريعا متجاهله ثرثرة زياد اخيها
- هشام .. ورينى جرحك .. انت متعور ؟!
ضغط على كتفه متألمًا وهو يحاول النهوض من مكانه قائلا بصوته المتردد إثر قوة الريح
- زياد وقفتنا متصحش !! الموج عالى والجو شديد ..
بتلقائيه اخرج زياد من جيبه سيجارته محاولا اشعالها ولكن بدون فائده .. فألقى ما بيده فى المياه بنفاذ صبر غاضبا وشظايا الضجر تتناثر من كل إنشٍ بوجهه قائلا
- عالله نموت ونخلص عشان الست هانم تستريح !! اهو هشام ومطلوب القبض عليه بدل ما كان على وش مقدم .. ورهف ضيعتى مستقبلها وامتحاناتها عشانك وسمعتنا اللى بقيت فى الارض وأنا بكرة يفصلونى من المستشفى ..
تدخل هشام بحده ليكف نهر اخيه ملصقا كتفه السليم بزياد قائلا بصرم
- زياد !!! ملهوش لازمه الكلام ده دلوقت... فكر معانا هنحل المصيبه دى ازاى ولا هنروح فين ...
تكورت فجر حول نفسها وطوقت ساقيها المثنيتين بذراعيها كعادتها تحضن نفسها بنفسها لتهدأ متجاهله حيرتهم وشجارهم وصوتهم الذي يتنافس مع الرياح كمن يستسلم للموت .. دار زياد فى مكانه ممسكا برأسه حتى هتف بصيغه آمره
- هشام هنتحرك من هنا ع اقرب مأذون وتكتب عالبت دى .. وتدارى على الفضيحه بدل ما الدنيا كلها تعرف ان الرائد هشام السيوفى خاطف عروسة يوم فرحها !!
تدخلت رهف سريعا لتقف بين اخواتها
- اى الجنان ده !! هشام انت مش هتعمل كده صح !! مياده ما تستاهلش منك اهانه زى دى !!
اصيب هشام بصاعق كهربي بين ضجيج قلبه ومستقبله الذي انهار فوق رأسه صامتا يلقى نظرة من حين لاخر على تلك الصغيره التى لا تهتم بحديثهم .. كل ما تنتظره ان يركض اليها عزرائيل بنفس ذات السرعه التى تخنقها بها الرياح .. اكملت رهف متوسله
- هشاااااام .. انت مش هتعمل كده فى مراتك !!
زياد بنفاذ صبر : يبقي افرحى بالاساور فى ايده ..
ثم تحرك نحو فجر حاملا جيوش غضبه فى صوته القوى ممسكًا بمعصمها لتقف بجواره بهذل وبنبره تهديده واصل زياد
- مفيش داعى اكرر كلامى .. اكيد سمعتى.. هشام هيكتب كتابه عليك الليله !! والصبح تروحى تشهدى فالنيابه انه مفيش حاجه حصلت من كل ده وانك انت اللى هربتى معاه بمزاجك ... كام يوم هنرميلك قرشين ويطلقك وتختفى من حياتنا ...
تقلصت بجسدها محاوله فك قبضته الحديديه وهى تشيع هشام بنظرات النجده ولكن تناست انها تطلب رحمه من ذئب لا يرحم .. شعرت بضعفها باختلال اتزانها بأن روحها تنقبض .. تدخلت رهف بينهم لتفك قبضة زياد
- حرام عليك البت مش مستحمله يازياد ...
ثم التفت نحوها وهى تجفف دموعها بكفها الذي جفف مياه حزنها دون مياه المطر قائله وهى تاخد انفاسها
- فجر .. انت موافقه ع كلام زياد ... معلش هشام لازم يخرج من المصيبه دى بأى تمن ... دا كله اجراء روتينى ..
القت نظرة منكسره على هشام الواقف خلف اخته ببنيانه المنصوبه منتظرا ردها دون ان يغمض له جفن الرحمه .. فاطرقت انظارها ارضا معاوده النظر اليه الذي يكابح جيوش قلبه المتراقصه عكس تجمد ملامح وجهه الصارمه وعيونه التى ينبعث منها نارا .. فحركت فجر راسها بالنفى قائله بضعف
- ماينفعش ... م ي ن ف ع ش .. ع عشان زيدان كاتب كتابه عليا ...
كارثه اعظم انهالت على روؤسهم جميعا .. فوقوا بين انياب الاسد .. مشكله لم يخلق لها حل غير الموت .. شعر هشام باظافر حاده اخترقت صدره لتعصر قلبه لنصفين جاهلا ما سبب تلك الالام التت اندلعت بجوفه فجاة اوقع فى الحب ام وقع فى فخ امراة فيها شيئا من التاريخ والقدر ام فخ انانية الايام .. لاول مرة يقف مسلوب القوه والاراده يراقب دون ان يدافع ........
(فى حياة كل منا قُشة تقصم ظهر البعير)
يتبع