رواية الماضي يلاحقني كاملة
الفصل الأول
بين سكون الليل يتناجى المتناجون، لكل أحزانه و آلامه، ترتسم النجوم بعشوائية أخاذة، تتناثر في ساحة السماء، و من إحدى النوافذ تطل بعينيها الجميلتين، تمسح دمعة متلألأة فرت من جفونها رغما عنها، تنظر نحو القمر، فيسافر عقلها إلى الوراء بعدة سنوات تمر أمامها الآن كشريط سينيمائي..صوت التلفاز وحده يشق سكون هذا البيت، كانت تتابع شريطها المفضل بياض الثلج، تقضم قطعة من الشوكولاته المفضلة لديها ثم تعود لمتابعة فيلمها، كانت أنيقة كعادتها، و رائعة الجمال،، تفتن الجميع رغم صغر سنها، كانت تملك عاطفة بإمكانها تغطية العالم بأسره، ذكاؤها يثير إعجاب الأحبة و حقد الحاسدين، كانت دائما ترى العالم ورديا، لم تكره أحدا،كل شيء جميل بالنسبة إليها وكل الناس لطفاء مثلها.كان الفيلم قد انتهى، و كانت تتمنى ان تأتي معجزة من السماء لكي تنقلها إلى عالم الأميرات و أرض الخيال; و فجأة يقطع حبل أفكارها صوت طرق على الباب ، تنزل من المقعد، و تضع قدميها الصغيرتين في حذائها اللامع و تتجه نحو الباب
فتفتح الباب بصعوبة، فتتفاجأ بعدد من الهدايا و بأبيها يحمل حلوى شهية و أمها تغني لها تلك الأغنية التي تروقها"سنه حلوه يا جميل", فتفرح كثيرا ثم ترتمي في حضن أبيها و يدخلون المنزل سويا، و يبدأون بتقطيع قالب الحلوى الشهي الذي يتوسطه اسمها"سما"و فوقه أربع شموع ما يعني أنها أتمت ربيعها الرابع ؛ لم تأكل سوى قليلا من الحلوى، ففضولها منعها من الانتظار، و اتجهت كغزال صغير نحو الهدايا تفتحها بشوق و فرحة، الأولى كانت داخلها دمية"باربي"رائعه، و الثانيه شملت فستانا حريريا شبيه بفستان"سندريلا"و في الرابعة كان هناك دبدوب جميل أسمته"كوكو" و أما العلبة الأخيرة فلم تفلح في حلها لذا ساعدتها أمها في ذلك، و ما إن فتحت العلبة حتى ذهلت بمحتواها، كانت تحتوي فستانا و حذاء جميلين، و علبة من الأقلام و قرطاسيه مدرسيه، لم تكن فرحتها توصف بهذا الخبر، لقد كبرت أخيراً و صار عليها الذهاب للمدرسة سيصبح لها أصدقاء و ستتعلم القراءة و الكتابة، ستصبح لها أدواتها الخاصة و ستتمكن من الرسم و التلوين... أطلقت العنان لخيالها، حتى غفت في حضن أمها التي حملتها إلى سريرها الصغير، ثم خلدت هي الأخرى إلى النوم
وفي الصباح الباكر استيقظت سما على صوت أمها و هي تناديها_سما ، سما انهضي يا بنيتي، هيا_لماذا يا أمي؟ لا زال الوقت باكرا على الاستيقاظ، أريد أن أنام.._ألاتودين الذهاب الى المدرسة، حسنا ابقي نائمةو ماإن سمعت الصغيرة صوت أمها حتى دبت فيها الحيوية و نهضت بكل همة ونشاط، اغتسلت و ارتدت ثيابها و طلبت من أمها أن تصفف لها شعرها، فصففته على شكل جدائل جميلة، و التحقتا بالأب على مائدة الإفطار، فأفطروا سويا و هم الأب بالمغادرة فتعلقت سما برقبته و طبعت قبلة حنوناً على خده و طلبت منه أن يحضر لها الشوكولاته التي تحبها عندما يكون آتيا إلى البيت، و بعد مرور ساعة على مغادرة الأب، حملت سما محفظتها الصغيرة ثمخرجت هي و أمها من البيت متجهتين نحو المدرسة و عندما وصلتا سويا وعت الأم ابنتها و تمنت لها التوفيق.في المساء عادت الأم للمدرسة لاصطحاب ابنتها، و في الطريق حكت سما عن ما حدث لها في يومها الأول من مغامرات و أمها تستمع إليها و هي في غاية الفخر.في الليل سمعت سما صوت طرق على الباب كان هذا أبوها، لكنها صدمت برؤيته في تلك الحالة؛لقدكان حزين الوجه شارد الذهن، لم يرد عليها السلام حتى، و عندما دخل قال عبارة سعقت لسماعها:
لقد أفلسنا كانت هذه العبارة كفيلة بأن تدمر كل أحلامها، تماما كما ترى في الأفلام،، عندما يفلس أحدهم فسيصبح متشردا و ينام على الأرصفة و جوانب الطرقات، بملابس بالية و رثة، ستصبح المدرسة شيئا شبه مستحيل، لن تتناول الشوكولاته التي اعتادتها،لن يصبح بإمكانها زيارة المطاعم كما عهدت، لن تتمكن من شراء ما تشتهي من الملابس و الدمى والعديد من الأشياء،،لقد ضاعت كل أحلامها..لم تنم أمها تلك الليلة بل باتت تجمع الملابس وأما فظلت هي تبكي حسرة على نفسها و حياتها التي ستنقلب إلى جحيم، من أين نزلت هذه الصاعقة؟ ماذا فعلت كي تجازى بمثل هذه العقوبة، هي بنت الأكابر و بنت الخيرات ستصبح من حتالة الناس؟لم يغمض لها جفن ، باتت تدرف شلالات من الدموع، ذهب المال، و ستلحق به السيارة و الأهم من ذلك سيذهب البيت، هذا البيت الذي كان في عينيها قصرا، لها حكاية في كل زاوية من زواياه، لها قصة مع كل جدار من جدرانه، ستذهب و ستترك كل شيء وراء ظهرها و لن تعود أبداً..أشرقت الشمس و كانت كالنيران التي انطلقت في هشيم قلبها ، ما هي إلا ساعات و سينتهي كل شيء، كل شيء كأن شيئاً لم يكن، ليس بمقدورها الآن فعل أي شيء سوى أن تودع المكان، وداعا ينفطر له قلبها..مرت على الغرف غرفة غرفة، و على البستان شجرة شجرة و زهرة زهرة، آه لو كانت تعلم أن كل هذا سيحدث لما فارقت هذا البيت دقيقة واحدة ..وصلت الشاحنة التي ستنقل أغراضهم، و مع وصولها دعست زهرة اللوتس التي زرعتها سما، دعست الزهرة و كأنما دعس قلبها معها، كل أثاث يحمل و يرمى كانت تحس و كأنما هي التي رميت، كل آنية تكسر و كأنما كسر جزء منها، من إرادتها من ذاتها،كأنما كسر حلم من أحلامها..هي و أمها صندوق الشاحنة،، في تلك اللحظة بالظبط أحست بالمعنى الحقيقي لمقولة"الدنيا دوارة"
فهي التي كانت تتقزز من هذه الجلسة تجلسها الآن، كلما ابتعدت عن بيتها أو الذي كان بيتها تحس أنها ابتعدت عن روحها، هي رحلت منه هذا أمر صحيح لكنها لم ترحل أبداً عنه..وصلت إلى مسكنها الجديد،، حيث أصوات الشجارات تعلو من كل جانب،، كانت تصعد الدرج و تتمنى أن تسقط في أي لحظة، و أن يكون هذا مجرد كابوس ستستيقظ منه، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فهذه هي الحياة دوارة و الأوقات غدارة عندما دخلت البيت، ووطأت أول وطأة به، أحست و كأنها وطأت على روحها، هل تستحق كل هذا العذاب؟جلست و جلست قربها أمها فارتمت في حضنها و أجهشتا بالبكاء، ربتت أمها على ظهرها و قالت_سيفرج الله يا ابنتي،، سيفرج اللهمرت ساعات و مرت عليها كالعقود تنتظر هي و أمها مجيء أبيها و لكن بلا جدوى، هاتفته و لكن لا يرد،، وبعد مرور ساعة رن هاتف الأم برقم جهلت صاحبه ردت:_آلو_آلو السيدة هناء؟_نعم من معي_السيد هاشم محامي زوجك السيد حسني_نعم، و هل بإمكاني مساعدتك؟و كان رده كصفعة على وجهها
_توفي السيد حسني كانت محطمة كفاية، فلماذا نزلت عليها هذه الساعقة، هل هذا انتقام؟ لا أبداً فهي بحياتها لم تؤذي أحدا، هل هو كابوس، تتمنى أن يكون الأمر كذلك و لكن مع الأسف، إنها حقيقة، حقيقة مرة..بدون شعور منها سقط الهاتف من يدها، انتبهت سما لهذا الأمر، لم تكن تريد أن تسألها، ليست لأنها على دراية بالجواب و لكن لأنها منهارة كل الانهيار، فهل هناك من مزيد؟ لا تريد الآن شيئا سوى يد تهزها فتستيقظ من هذا الكابوس،..ذهبت هي و أمها إلى المستشفى لتلقي السلام الأخير على روح والدها، لم يكن سوى راقدا؛ و لكن رقدته الأخيرة، حتماً حسدته على هذه اللحظة، لقد غادر الحياة قبل أن يسكن بيتا آخر غير ذلك البيت، و قبل أن يعيش حياة غير حياته الأولى ..لقد توفي بسبب جلطة دماغية، نعم لقد تجلط، أبوها الذي عهدته شامخا كالصرح لم يصبر لهذه الواقعة؟! فكيف ستتحمل زهرة صغيرة مثلها هذا العذاب؟ لقد ضاعت، ضاعت بأتم معنى الكلمة..في عزاء أبيها لم يحضر سوى قلة من الناس، ترى أين هم الأصدقاء و الأصحاب الذين كانوا يتوافذون على البيت دون انقطاع؟ صحيح لقد تذكرت لقد رحلوا معالجاه و الأموال، أيعقل أن يكونوا بهذا البخس؟انتهت أيام الحداد، و قامت أمها لكي تبحث عن عمل تدبر به شؤونها و شؤون البيت، تبحث و تبحث و أخيرا وجدت عملا عند أحد المطاعم، ستعمل كمنظفة، نعم ستعمل كمنظفة هي التي كانت تجلب المنظفات، كانت تترك ابنتها في البيتوحيده طيلة اليوم، و ماذا ستفعل، فما باليد حيله لم تكن تطمئن أبداً لترك ابنتها في تلك ال" بؤرة" كما اعتادت تسميتها،، كانت تعمل و تعملمقابل سنتين لا يكفيانها حتى في غذائها، و تسأل نفسها:_ترى ، كيف سأدفع إيجار البيت، هون من عندك يارب..و بقيت كل يوم على هذه الحالة، حتى تلك الليلة التي دخلت ووجدت ابنتها تبكي فهرولت تجاهها بخوف:_ سما مابك؟_ لا أريد أن أبقى هنا لا أريد، أريد أن أغادر هذا المكان، أتعلمين يا أمي عندما كنتي في العمل دقت علي امرأة الباب و قالت لي إن لم ندفع الإيجار ستحضر لنا مجرما يضربنا و سترمي بأغراضنا للشارع..
قالت ذلك و هي تدرف شلالات من الدموع، فهذه هي أول مرة في حياتها تتعرض فيها لمثل هذه الإهانة، أستكون بقية حياتها مليئة بالإهانات، و هل سترمي تلك الغليضة بملابسهم و أغراضهم إلى الشارع حقاً؟ و هل سيقدر لها يوما أن تعيش بسلام؟..مضت تلك الليلة، و في الغد استيقظت على طرق في الباب-لم يكن طرقا -إن صح التعبير- بل كان كسرا، من هذا الذي يخبط هكذا،، و ماذا يريد منهم ، قامت أمها بفتح الباب، ؛ آآه كيف نسيت هذا،، بالتأكيد إنها صاحبة الإيجار تردد ذلك الشريط الذي قالته بالأمس،، و لم تتمكن أمها من إسكاتها، لم تشفع لها ظروفهم المزرية عند هذه الفضة التي كفرت بكل مبدأ نبيل،، و لم ترحم ضعفهم، كانت تحدث نفسها: أين أنت يا أبي،، أين هي تلك الأيام التي كنت مستعد لمسح الأرض بكل من يتجرأ على كسر خاطري، أين أنت، أ تكرهني يا أبي لهذه الدرجة؟ لدرجة أنك تركتني في أقسى اللحظات، لماذا ؟ظلت تردد هذه العبارات غير آبهة بكل ما يقال أمامها، لم تنتبه إلا عندما انقطعت تلك الضوضاء ،لم ترد أن تسأل أمها، لا تريد أن تسمع شيئا يكسر خاطرها أكثر، كانت في حالة يلين لها الحجر، كان بإمكان حزنها أن يغطي كل العالم، ذهبت أمها إلى العمل و تركتها وحيدة، لا تستأنس سوى بحزنها كانت مدمرة حقا،عادت أمها من العمل باكرا و عاد معها خالها نجم، سلمت على خالها الذي ضمها إلى صدره و فرت من عينيه دمعة أشفقت على حالها، بدأ خالها بجمع الأغراض رفقة أمها و بعض الرجال مفتولي العضلات و وضعوهم في شاحنة خالها التي كانت أسفل ذلك البيت، و عندما نزلت كانت تنظر إلى ذلك البيت بنظرة ملؤها الإحتقار و نحو صاحبته السمينة بنظرة ملؤها الحقد و التوعد،كانت تتأمل حقارة هذه المرأة و شرها، و في داخلها تتوعد بالإنتقام، لقد عهدت العزم على أن تأخذ حقها من هذه المتوحشه أيا كلفها ذلك، فهذا الطرد كان بمثابة طعنة في براءتها، طعنة في إرادتها، طعنة في احترامها للناس ، ظلت تابتة في مكانها و ثورة في داخلها أبت أن تهدأ حتى أنها لم تنتبه لخالها عندما دعاها لركوب الشاحنة ، لم تسأل أمها عن وجهتهم، كانت غائبة عن هذا العالم ، حتى أنها لم تشعر بالوقت، و لم تنتبه للطريق، لقد فقدت شغفها بهذا العالم.._لقد وصلناقالت أمها، التي لم تكن فرحة لكنها كانت أفضل حالا من ذي قبل ؛ لقد وصلوا، إنها تعرف هذا المكان،لقد أتوا إلى القرية ، كانت تحب القرية، لكن هل ستسكن فيها إلى الأبد؟ الأمر غريب قليلا لكنه على الأقل هو أحسن من السكن لدى تلك السمينة ،استقبلها جدها و جدتها بحفاوة، أعدت لها جدتها كعكتها المفضلة، رتبت أغراضها و ذهبت لكي تتنزه في البستان، و في المساء نامت دون تناول وجبة العشاء ، لأنها كانت منهكة جدا.في الصباح الباكر أفطرت ثم ذهبت هي و أمها ٱلى المدرسه، لكي تتمكن من متابعة دراستها، فبسبب الظروف، غابت مدة لا بأس بها عن مدرستها، تم التسجيل و التحقت بصفها، كان الكل يطالعها بفضول، كانت أناقتها تفوق أناقة كل من بالمدرسة،بل و كل من بالقرية أيضاً، كانت حصة اللغة الفرنسية، و عندما طلبت منها المعلمة تقديم نفسها،قدمت نفسها و ببراعة أثارت دهشة كل من القسم من أستاذة و تلاميذ ، جلست في مكانها و أجابت على كل الأسئلة ،، عادت إلى دق الجرس و خرج الجميع بسرعة، أما هي فبقت حتى خرج الجميع خوفامن الاصتدام بأحدهم ، و عندما همت بالخروج انتبهت للأستاذة هي و مجموعة من الأساتذة الآخرين و المدير طلبت منها أستاذتها تقديم نفسها أمام الأساتذة قدمت نفسها، فأثارت إعجابهم جميعاً .خرجت ووقفت أمام الباب تنتظر قدوم أمها، و أثناء انتظارها انتبهت للتلاميذ يشيرون إليها بإعجاب، و يقولون: إنها تلك التي تتحدث بالفرنسية.عندما وصلت أمها حكت عليها ما حدث معها في المدرسة بافتخار، و أمضت بقية يومها و هي تراجع دروسها و تلهو بالكلمات المتقاطعة و لعبة مونو بولي.
في الصباح الباكر استيقظت سما على صوت زقزقة العصافير، لم يكن وقت المدرسة قد حان بعد، فآثرت التنزه في البستان قليلاً. داعب النسيم العليل وجهها الناصع البياض،و تلاعبت نسمات الهواء بخصلات شعرها فحمي اللون، كشفت شفتيها الحمراوين عن ابتسامة أخاذة، كانت تشبه بياض الثلج حتى في أدق التفاصيل، فهي أيضاً تحب أن تلاعب العصافير و تحادث الحيوانات.استيقظت أمها و انقبض قلبها عندما لم تجدها، و بدأت تصرخ بخوف:_سما، سما، أين أنت؟دخلت بسرعة و قالت:ها أنا يا أمي لا تقلقي علي عانقتها أمها بقوة ، و أعدت لها الإفطار، فأفطرتا سويا ثم اصطحبتها إلى المدرسة، و عندما وصلت إلى المدرسة التقت بأستاذتها هناك فحيتها و دعت الأستاذة الأم للدخول الى المدرسه لكي تناقشها فيأمر يهم ابنتها سما فوافقت الأم على الفور و دخلتا سويا إلى مكتب المدير و قدمت المعلمة أم سما لمدير المدرسة و الأساتذة،، تنحنح المدير ثم قال:_السيدة هناء، لاحظنا ذكاء ابنتك الفائق، و نظن أن مستواها أكبر بكثير من سنها، لذا قررنا أن نجري لها اختبارا، إن اجتايازه بنجاح فسيتم نقلها إلى المستوى الثاني، لكن هذا أكيد بعد موافقة حضرتك ، فهل تقبلين؟قأجابت الأم على الفور:إن كان هذا من مصلحة ابنتي سما فأكيد سأقبل.دخلت سما إلى مكتب المدير و بدأ الاختبار؛ قال المدير_أمستعدة يا بنيتي؟أجابت سما بثقة و تحفز:_نعم أنا مستعدة_قال المدير: فلنبدأ إذاً: أخبريني يا سما، من هم الإغريق؟_اليونان_جيد، و ما هي بلاد الرافدين؟ و لماذا سميت بهذا الاسم؟_بلاد الرافدين هي العراق، و سميت بهذا الاسم لتواجد نهري دجلة و الفرات بها،_جيد ، و من هو أمير الشعراء؟_أحمد شوقي_و من اكتشف أميريكا_كريستوف كولومب_و ما هي أكثر دولة رفاهيه؟_سويسراو استمرت الأسئلة و سما الصغيرة لم يستعصي عليها حل أي سؤال، حتى بعض الأسئلة التي جهلها بعض الأساتذة عرفتها بدون أي صعوبة، حتى أن المدير قد قال لها عندما يئس من إخطائها:لقد أجزناك،و بالفعل لقد أجازوها ، و اصطحبها أستاذ بدا على ملامحه الوقار إلى قسمه، و قدمها إلى تلاميذه و طلب منهم التصفيق عليها، ثم أجلسها على المقعد الأول، و تبين لها من حصته أنه أستاذ اجتماعيات:بدأت الحصة، و افتتحها الأستاذ بسؤال:من هو فاتح الأندلس؟_رفع أحد التلاميذ يده لكي يجيب فأعطاه الأستاذ الإذن لكي يجيب:_نعم تفضل يا مراد_عادل بن زيادأجاب التلميذ بثقة، لكنه تفاجأ بصوت صغير يعترض على إجابته:_أستاذ، أنا أخالفه الرأي!_نعم قولي لنا رأيك يا سما_فاتح الأندلس اسمه طارق ابن زياد_أحسنت يآ سما ، صفقوا لها صفق الجميع بإعجاب على هذه الصغيرة التي تفوقت على أكثر تلميذ مجتهد بقسمهم و لا شك أنها ستأخذ مكانه.انتهى وقت المدرسة و عادت إلى البيت و حكت لهم ماحدث معها، و كانوا فخورين جدا بصغيرتهم التي سترفع برؤوسهم إلى السماء.
عادت إلى المدرسة، و كانت هي الأكثر تفوقا حتى من مراد، ذلك الفتى الذي تبين لها فيما بعد أنه بن مدير المدرسه،و توالت الأيام، و الأيام شهور و الشهور سنين، حتى أصبحت في السلك الإعدادي ، و في السنة الإشهادية، اجتازت امتحانها بنجاح، و عادت إلى بيتها، فأخبرت أمها عن سهولة الامتحان، و كانت أمها جد سعيدة بابنتها الصغيرة التي غفلت عليها الأيام و فجأة وجدتها شابة مليحة، لم تستسلم أبداً للمصاعب ، رغم أن مامرت منه ليس بالسهل، لكنها كانت تؤمن بآية إن بعد العسر يسرا، كانت مراهقة، بروح طفلة و حكمة مسنة، تترك آثرا في بال كل من لاقاها، و كأنها ملاك فوق الأرض.في يوم من الأيام كانت تهتم بحديقة البيت، و إذا بسيارة سوداء فخمه، ينزل منها رجل لم يكن غريبا عليها، تلك الأسنان الصفراء، و العيون الخضراء الضيقة الشبيهة بعيون القطط الوحشية، ثم تلك الابتسامة الخبيثة، نعم إنه عمها، عمها الذي لم ترتح لنظراته يوما، و لم يخب حدسها فهو لم يحضر لجنازة أبيها حتى،، لكن ما الذي أتى به إلى هنا بعد كل هذا الغياب، أين كان طوال هذه المدة ؟؟كم هائل من التساؤلات يتدفق بداخلها، لكن يقطع حبل أفكارها صوته الخشن يقول:_كيف حالك يا بنت السيد حسني؟_,بخير، طالما أنت بعيد عني_تماما كأبيك متعجرفة، متكبرة و مغرورة، ألا تفهمين هذه العجرفة لن تجدي نفعا، راحت عليك أيام الرفاهية، الآن أنت من حتالة الناس_ طالما لست مثلك، فهذا أكبر دليل على أنني لست حثالة كانت هذه الجملة كرصاصة أطلقتها، ترى؟ أتعلم هذه الأخيرة سره؟ هل تعلم أنه هو بأفعاله الشيطانية من أفسد حياتها؟ و كان السبب في قتل أبيها الذي وضع كل ثقته فيه؟_مالي أراك صمتت، قلت الحقيقة أليس كذلك؟ يا من تخلى على أخيه في أصعب أوقات حياته؟ قالت هذه الجملة لتوقظه من شروده، لكنها أتبتت له أنها لا تعلم شيئا عن فعلته الشنيعة_يا لك من...لم يكمل هذه الجملة ، كانت أمها قد خرجت على صوت صراخه المزعج و نهرته قائلة:_ يا سواد اليوم الذي ستتجرأ فيه على ابنتي، يا أيها الشيطان، أبشر أنت؟ كيف تجرؤ على المجيء إلينا بعد كل الذي فعلته، حسبي الله ونعم الوكيل فيك حسبي الله ونعم الوكيل فيك تجمد الدم في عروقه بعد سماع كلام الأم، ابنتها لا تعلم صحيح، لكن من خلال ماقالته فهي تعلم كل شيء لا محالة. لم يكن هو الوحيد الذي خيمت عليه الدهشة، فسما أيضاً لم تفهم شيئاً مما قالته أمها، ركب الخبيث سيارته و انطلق و أدخلت الأم ابنتها إلى البيت.
انتهى الفصل الاول