رواية الوجه الاخر للذئب كاملة بقلم ياسمسن السيد قنديل
لأنّى أحبّك
عاد الجنون يسكننى
و الفرح يشتعل
فى قارات روحى المنطفئة
لأنّى أحبّك
عادت الألوان إلى الدنيا
بعد أن كانت سوداء و رمادية
كالأفلام القديمة الصامتة و المهترئة
عاد قلبى إلى الركض فى الغابات
مغنيا و لاهثا كغزال صغير متمرد
فى شخصيتك ذات الأبعاد اللامتنهاية
أنثى جديدة لكل يوم
و لى معكِ فى كل يوم حب جديد
و باستمرار
أخونُكِ معكِ
و أمارس لذة الخيانة بكِ
كل شىء صار اسمُكِ
صار صوتُكِ
وحتى حينما أحاول الهرب منكِ
إلى برارى النوم
و يتصادف أن يكون ساعدى قرب أذنى
أنصت لتكات ساعتى
فهى تردد اسمك
ثانية بثانية
و لم أقع فى الحب
لقد مشيت إليه بخطى ثابتة
مفنوح العينين حتى أقصى مداهما
إنى واقف فى الحب
لا واقع فى الحب
أريدك بكامل وعيى
أو بما تبقى منه بعد أن عرفتك
قررت أن أحبُكِ
فعل إرادة
لا فعل هزيمة
الشخصيات
آسر : آسر الديهى ، شاب ثلاثينى ، أرمل و لديه ابنة . كان يعمل طبيبا لكنه ترك مهنة الطب فى ظروف غامضة _ سنتطرق إليها خلال الأحداث _ و يساعد الآن والده فى ادارة مصنعه .
كارين : فتاة رقيقة لكنها عنيدة .. يفوق كبرياؤها كل شىء ، حديثة التخرج ، فى الأربع و العشرين من عمرها ، مجنونة بعض الشىء لكنها ذكية أيضا .
ريم : الأخت الصغرى لآسر ، فى مقتبل العشرينات ،فى آخر سنة دراسية بالجامعة ، تعشق الطعام و لا تستغنى عن هاتفها ، و أكثر مايميزها و جنتيها الممتلئتين رغم نحافة جسدها .
مروان : الأخ الأصغر لآسر و أكبر من ريم ، طالب فىسنته الأخيرة فى كلية الطب . لديه حس فكاهى عال . يحب المرح و يكره الكآبه . شعاره فى الحياة " و بحب الناس الرايقة اللى بتضحك على طول أما العالم المضايقة أنالا ماليش فى دول " .
لوجين : ابنة آسر فى السادسة من عمرها . طفلة جميلة و جذابة ورثت عن والدتها عينيها الخضراوتين و شعرها البنى .
الحاج حمدى الديهى : والد آسر و صاحب مصنع الديهى للآثاث .
سناء : والدة آسر . سيدة لطيفة و أم مصرية بالمعنى الحرفى .
أحمد : صديق آسر شاب فى بداية الثلاثينات ، ذو بشرة قمحية و لحية خفيفة منمقة و شعر أسود لامع ، ليس بقامة فارهة لكنه ليس بقصير و يتمتع بجسد رياضى.
للتنبيه ، الرواية ماشية فى زمنين الزمن الفعلى و هو زمن الحادث اللى هنبدأ بيه و الزمن الثانى فلاش باك لأحداث الرواية لحد وقوع الحادث
الفصل الأول :((( اااااسف )))
فى الوقت الحالى:
خارج غرفة مريعة ذات باب معدنى قد أوصد باحكام به نافذتين دائرتى الشكل من زجاج معتم يخفى ما خلفه ، يعلوه لمبة حمراء علقت بها أنظار هلعة فزادت من روعها ، و على يمينه وضعت لوحة معدنية نقش عليها بالخط العريض " غرفة العمليات "
على مقاعد من الاستنلس فى مواجهة تلك الغرفة كان يقبع ذلك العجوز المكدر " الحاج حمدى " يتكئ بإحدى يديه و رأسه على عصاه و باليد الاخرى مسبحة تمرر عليها أصابعه المرتجفة يواكبها تمتمه من شفاهه بتراتيل و أدعية علها تكون سبب نجاة تلك المسكينة الرابضة بالداخل.
بينما تجلس بجانبه "سناء" تبكى و تنتحب ، تربت على صدرها تارة و على فخذها تارة اخرى و لم يتوقف لسانها عن ترديد " يا رب نجيها يا رب "
تربض أمامها ابنتها "ريم" على ركبيتها تواسيها متظاهرة بالقوة تمسح دموعها و تربت على يد والدتها : اهدى يا ماما .. ما تخافيش ان شاء الله هتكون بخير .
" سناء " بنفاذ صبر : يا رب .. يا رب .
لتمر من أمامهم ممرضة خارجة من الغرفة تركض فتنادى عليها " سناء " دون جدوى فزادت فى بكائها تكاد تولول هلعا فتحاول ريم أن تهدىء من روعها غير متحكمة فى الدموع المنهمرة على خديها و الشهقات المتتالية فكلما زاد مرور الوقت كلما تناقص أملهم فى نجاتها .
خلف ذلك الباب المعدنى كانت ترقد فتاة ممدة على طاولة يرأسها جهاز ضخم به العديد من الازرار و الأضواء إلى جانب شاشة عملاقة إنه جهاز التخدير .. يعلوها دائرتان كبيرتان من الأضواء الصفراء يعكسان وجهها الشاحب الذى لا يظهر منه الكثير بفعل قناع الاكسجين القابع فوق أنفها و فمها و أسلاكا قد وصلت بجسدها بلصقات دائرية ، احدهما خاصا بتخطيط القلب و آخر لمقياس الأكسجة ..إلخ بالإضافة إلى تلك الأنابيب العملاقة الخاصة بالأكسجين وأنابيب السيروم .يلتف حولها ثلاثة من الاطباء يرتدون كمامات و غطاءات رأس و قفازات مطاطية معقمة يمسك أحدهما مقصا يعبث فى تلك البطن المطعون أمامه يشير إلى الممرضة لتأخذ منه المقص و تناوله مناديل ورقية معقمة يمسح الدماء المتدفقة من الجرج المفتوح و عينيه تجوبان حالتها بقلق عارم قائلا بحزم : مروان
مروان و هو ينظر إلى الشاشات بجانبه : كله تحت السيطرة .
فأردف الطبيب الثالث : آسر ، خلينى انا اكمل الخياطة ، أنت متوتر كفاية .
آسر بنفاذ صبر : خلاص يا احمد . و أشار للمرضة فأعطته الخيط الطبى و الإبرة .
مر الوقت و القلق و الخوف يعمان المكان خارج و داخل العرفة المقيتة ، إلى أن زادت سرعة الحركة داخل الغرفة بقلق زائد فى محاولة للسيطرة على الموقف الطارىء لكن دون جدوى .. فقد حدث ما كانوا يحاولون تلافيه .
خلع آسر غطاء رأسه و قذفه بعنف إلى حيث الجحيم يمرر أصابعه فى شعره بيأس يزفر بارتجاف و رعشة سرت فى سائر جسده و قد استحالت الرؤية امامه إلى ضباب بفعل الدموع المترقرقة بعينيه .. ربت مروان على كتفه فى مواساة لا فائدة منها بينما قال احمد : أنا هطلع أقول... أووووف .
لم يستطع تكملة ما كان ينوى قوله فأومأ "مروان "له ايجابا و خرج من الغرفة و تلته الممرضتان بينما اقترب " آسر" من تلك المسكينة فانهمر سيل من دموع الحسرة من عينيه لتسقط على وجنتيها قائلا بصوت متحشرج : أنا آسف ....
ما إن رأت " سناء " و " ريم " الدكتور أحمد خارجا من غرفة العمليات حتى هرعا إليه و نهض " الحاج حمدى " يتكئ على عصاه يخطو بهرولة سلحفاة نحوهم لتردف "سناء" بقلق : ايه يا ابنى طمنى ، هى كويسة مش كده ؟
مرر "أحمد" لسانه على شفتيه رافعا نظره من الأرض إليهم و تنهد قبل أن يقول : اهدى يا أمى .. الحمد لله الجرح ماكانش عميق أوى و سيطرنا عليه ..
قاطعته "سناء" و " ريم " فى صوت واحد : الحمد لله .
لم تعطيا فرصة لأحمد كى يخرج ما فى جعبته مما جعل الأمر صعب عليه لكنه قد لاحظه ذلك العجوز قائلا : بس يا ابنى حاسس ان فى حاجة تانية طمنا ماتخبيش علينا .
تنهد "أحمد" قائلا : اسمعونى و مش عايزكوا تقلقوا و لا تخافوا .
سناء بفزع : يا ابنى انت كده قلقتنا أكتر ، فى ايه ؟
أحمد بأسف : للأسف " كارين " دخلت فى غيبوبة .
شهقت "سناء" و تعالت صرخاتها فحاولت " ريم " تهدئتها قائلة : يا أحمد مش أنت لسه قايل ان الجرح ماكانش خطير و انكوا سيطرتوا على الحالة .
أحمد : ايوة بس للأسف "كارين" بتعانى من ربو زى ما انتوا عارفين و عقبال ما جتلنا كانت نسبة الأكسجين اللى واصلة لدماغها قليلة ده غير انها فقدت دم كتير .
الحاج حمدى : يعنى ايه يا ابنى
معلش فهمنا أكتر ، هى هتفوق تانى و لا ايه ؟
أحمد : فى أمل إن شاء الله ، مفيش مشكلة لو الغيبوبة استمرت كام يوم أو لحد اقصى 3 أسابيع بس بعد كده هيكون الأمل فى الشفاء صعب .
تنهدت سناء بوجع ينهش صدرها تقول بحسرة : أخوكى السبب .. أقول ايه لأهلها دلوقتى .. اقولهم ايه .
ريم : اهدى يا ماما .. مش كده ، و علشان خطرى ماتقوليش كده أدام " آسر" هو أكيد متدمر .
أحمد : ده حقيقى .. احنا هننقلها دلوقتى للعناية المركزة و هنحطها تحت الملاحظة مطلوب منكم بس كام حاجة ممكن تفيد " كارين " و تفوق بسرعة .
ريم : ايه هى ؟
أحمد : مريض الغيبوبة صحيح بيكون نايم بس جزء من دماغه معانا ، لو قدرنا نحفز جملتها العصبية و مستودع الذكريات بتاعها ممكن يوصلنا لنتيجة كويسة .
ريم : مش فاهمة يعنى نعمل ايه ؟
أحمد : ببساطة شوفتى فى الأفلام لما بيقعدوا يتكلموا مع مريض الغيبوبة و يحكوا له عن مواقف وذكريات حصلتله أو تحكيله رواية أو قصة بيحبها أو ميوزك بيحب يسمعها ده بالظبط اللى عايزكم تعملوه و تراقبوا حالتها لو شفتوا أى رد فعل تبلغونا فورا .
سناء : رد فعل زى ايه يا ابنى .
أحمد : يعنى مثلا كشرت ، ابتسمت ، أو حركت صوابع ايديها أو رجليها أو مثلا الضوء زعجها اى حركة تعملها أيا كانت هتكون مؤشر انها هتفوق قريب .
ريم : تمام تمام ، أنا هفضل جنبها مش هسيبها خالص .
أحمد : ممتاز .. ان شاء الله خير .
سناء : يا رب .
استأذن أحمد و ما إن غادر حتى وصل والدا "كارين" يركضان فى فزع تجهش أمها بالبكاء : بنتى .. بنتى جرالها ايه يا سناء ....
لم يبتعد أحمد كثيرا حتى قابله فريقا من الشرطة
- حضرتك الدكتور المشرف على حالة المجنى عليها ؟
- أيوة.
- طب هينفع ناخد افادتها النهاردة؟
- للأسف ، دخلت غى غيبوبة ، الله أعلم هتفوق منها امتى؟ لكن كان فى شخص تانى معاها وقت وقوع الجريمة.
- مين هو؟
- دكتور آسر .. آسر الديهى .
.
.
خارج غرفة العناية المركزة ، كانت تقف ريم تنظر من نافذة زجاجية إلى داخل الغرفة حيث ترقد كارين .. لم تستطع كبح دموعها فانهمرت بحرقة. جاء من خلفها أخوها مروان يلف ذراعيه حولها بحنان فأطلقت العنان لدموعها ثم التفتت إليه تهتف فى ذعر: مروان.. هى هتفوق مش كده؟ طب.. طب قوللى الحقيقة و أنا و الله هبقى قوية و هستحمل بس ماتخبيش عليا.. هى ممكن تفوق تانى؟
ضمها مروان بجزع يهدىء من روعها : إن شاء الله يا حبيبتى.. ان شاءالله.
- هى مامتها و باباها فين؟
- مامتها جالها انهيار عصبى و آسر و أحمد معاها و عمو معاهم طبعا.
- الله يكون فى عونهم.. طب آسر.. آسر عامل ايه؟