رواية الشيطان شاهين كاملة
في احد شوارع القاهرة المزدحمة اتكأت كاميليا على جدار احد المحلات، انحنت لتضع يديها على ركبتيها و هي تقول بصوت لاهث:
"خلاص يا هبة معدتش قادرة اتحرك خطوة زيادة.. تعبت و رجليا تخدرت من الجري "
قدمت لها هبة قارورة صغيرة من المياه لتشرب منها ثم هتفت ضاحكة:
"انت عملتي ايه يا مجنونة عاوزة تبيتينا في القسم النهارده".
كاميليا و هي تلتقط أنفاسها :"يستاهل انا لو كنت اقدر كنت اديته قلم ثاني، راجل عجوز مبيختشيش بيتحرش بواحدة اد بناته ".
هبة و هي تضحك بقوه حتى ادمعت عيناها
"المسكين عجبتيه و مقدرش يمسك نفسه...داه..عرض... عليكي تشتغلي حتى ساعتين في اليوم و بضعف المرتب المهم.... ". اكملت و هي تقلده:
"
اطلبي اللي انت عاوزاه المهم أتصبح كل يوم على وشك الحلو دا يا جميل".
كاميليا و هي تشاركها الضحك
" يخرب بيته دا اللي ناقصني واحد اد جدي يعجب بيا الحمد لله ان احنا قدرنا نهرب قبل ما يمسكنا".
هبة بمزاح:" حرام عليكي يا كاميليا قد جدك إزاي... متظلميش الراجل داه حتى شعره كان لونه اسود...".
نظرت لها قليلا قبل أن تكمل :
" هو كان شعره و الا باروكة؟ ".
ضربتها الأخرى بخفة على كتفها قبل ان تنفجرا في الضحك من جديد..
هدأتا بعد دقائق لتتنهد كاميليا قائلة بحزن:
" انا تعبت يا هبة و احنا من الصبح بندور عالفاضي، صنف عاوزين حد يشتغل وقت كامل و كمان بمرتب يدوب يكفي مواصلات و الصنف التاني زي الراجل العجوز داه".
هبة بتشجيع :
"خليكي متفائلة و متيأسيش احنا عملنا اللي علينا و الباقي على ربنا "
كاميليا برجاء:
" يا ريت يا هبة انت عارفة انا محتاجة الشغل دا اد إيه...الجامعة كل يوم مصاريفها بتزيد و بابا مرتبه يدوب يكفي طلبات البيت، حتى أخواتي هديل و أسامة محتاجين يدفعوا أقساط المدرسة دا غير الكتب و الهدوم... انا مش عارفة اعمل إيه ياريتني كنت سمعت كلام ماما و مدخلتش هندسة... لو كنت دخلت إدارة أعمال كنت خلصت السنة اللي فاتت و كنت قدرت اشتغل و أساعد اهلي و مكانش حالي كده؟ ".
هبة :" متقوليش كده انت بالعكس انت متفوقة جدا في مجال الهندسة و بكرة انشاء الله حتتخرجي و حتشتغلي و حتبقي اشطر مهندسه في مصر كلها...دا انت الأولى على دفعتنا من أربع سنين و ندمانة امال اقول ايه انا اللي كل سنة بنجح بالعافية ".
ضحكت كاميليا بخفة قبل أن تقول بسخرية:" دا انا بقالي شهور بدور على شغل، بياعة في محل هدوم او في مكتبة، انشاء الله حتى امسح سلالم العمارات و بردو مش لاقية تقوليلي مهندسة اذا كان انا مش عارفة حكمل دراسة السنة دي و الا أأجلها".
هبة و هي تلطم صدرها :" يا لهوي..تأجلي ايه يا كاميليا دي آخر سنه لينا في الكلية ".
كاميليا بحزن:" السنة لسه في اولها يا هبة و انت عارفة المصاريف بقت الضعف عن السنة اللي فاتت فأنا قلت اني ممكن اشتغل اي شغلانه بوقت كامل و احوش عشان ادرس السنة اللي جاية".
هبة بصدمة:
"انت غبية يا بنتي و تخسري سنة من عمرك لالا حنتصرف، اكيد في حل غير داه..".
كاميليا :
" يا رب يا هبة ".
اكملت الفتاتان طريقها لنذهب كل واحدة منهما الي منزلها.
وصلت كاميليا الى مدخل حارتها لتتنهد بضيق و هي تلمح ذلك المدعو المعلم زكريا صاحب القهوة، رجل في بداية الأربعين من عمره متزوج مرتين و له أربعة بنات، ميسور الحال، معجب بكاميليا و يريد أن يتزوجها و لايدع اي شاب يقترب منها..
تأففت بصوت مسموع قبل أن تواصل سيرها بخطوات مسرعه متجهة الى منزلها و الذي من سوء حظها يقع في العمارة المقابلة للمقهى..
زكريا و هو يعترض طريقها :
"اهلا بست البنات، نورتي الحارة".
كاميليا بتعمد :
"اهلا يا عم زكريا..".
زكريا بضيق :
"الله الله ماقلنا بلاش عمي دي...ليه مصرة على الجفاء يا بنت الناس و انا شاريكي بالغالي و كل الحتة عارفة".
كاميليا بنفاذ صبر :
"بقلك ايه يا عم زكريا ابعد عن طريقي احسنلك.. انا اللي فيا مكفيني بلاش كلامك اللي يفور الدم داه و روح شوف اكل عيشك و ابعد عن سكتي.. كل الحتة عارفة ان انت راجل قد ابويا و متجوز أثنين و عندك عيال...حل عني انا مش ناقصاك".
زكريا و هو يمسح شاربيه الكثيفين:
"طب ما توافقي تتجوزيني و انت حتبقي ملكة زمانك و كل اللي تطلبيه حيكون تحت امرك..حنغنغك و حعيشك في العز انت و عيلتك كلها...".
كاميليا:
تشكر يا خويا عرضك مرفوض انا لا عاوزة اتجوزك و الا اتجوز غيرك ابعد من قدامي بدل اقسم بالله اصوت بعلو صوتي و ألم عليك امه لا اله إلاالله و اعملك فضيحة".
تجاوزته و هي تشتمه :
"اهو دا اللي كان ناقصني...يا ميلة بختك يا كاميليا مبقاش غير الراجل العجوز داه يطمع فيكي
حلاقيها منين و الا منين يا رب حلها من عندك انا تعبت ".
ظل زكريا ينظر في اثرها و هو يتخيل ذالك اليوم الذي يتزوج فيها منها و تصبح كتلة الجمال تلك ملكه و في بيته الى ان أفاق على صوت احد صبيانه يناديه
زكريا بغضب:
" ماهو لو مش حتقبل بمزاجها يبقى غصب عنها انا مستحيل اسيب غيري يتمتع بجمالها... البنت عاملة زي الممثلات التركي عينين زرقاء و شعر حرير و شفايف إنما ايه بسبوسة بالقشطة.. و الا جسمها يا لهوي كرباج...
" يا معلم زكريا".
قاطعه صوت الصبي ثانية ليندفع الى المقهى هادرا بعنف:
" كرباج لما ينزل على لحمك يفتته.. ايه يالا مالك فيه ايه"
الصبي بخوف:
"اصل تليفونك مبطلش رن بقاله ساعة يا معلم".
زكريا و هو يتجه الى مكتبه و هو عبارة عن طاولة خشبية كبيرة تحتوي على عدة ادراج و خزنة يضع بها النقود و الأوراق المهمة قائلا بصوت اجش:
"هاتلي قهوة و تعالى غير حجر الشيشة خليني أعدل المزاج اللي طيرته بنت ال... و الا بلاش دا بردو حيبقى ابو نسب.. ".
جلس على كرسي الخشبي ثم جذب عدة أوراق من الدرج ليبدأ في مراجعة حسابات المقهى...
ا الى منزلها، طرقت الباب لتفتح لها اختها الصغرى نور.
نور متذمرة:
" يووه يا كامي انت مبتفتحيش الباب بمفتاحك ليه ضروري تجيبيني من آخر الشقة يعني".
كاميليا و هي ترتمي على الاريكة القديمة :
بطلي زن يا نور انا تعبانة و مفياش حيل اناقشك.. اللي يسمعك يفتكر انك جيتي من آخر الشارع عشان تفتحيلي ... دي حتى شقتنا اوضتين و صالة.. روحي هاتيلي كباية ميه ريقي نشف من زنك يا شيخة..".
رمقتها شقيقتها بغيظ قبل أن تتجه الي غرفتها متجاهلة لطلبها...
بعد دقيقة خرجت والدتها من المطبخ و في يدها كوب الماء.
كاميليا بابتسامة :
" تسلم إيدك يا ست الكل تعبتي نفسك ليه؟ ".
الفصل الثاني من هنا